ولعل هذه العبارة تصلح أيضاً للدخول الى تشابكات وتعقيدات هذا البرنامج الممول من الاتحاد الاوروبي لمساعدة الحكومة السورية في تحقيق أهدافها في التحديث الاقتصادي عبر تقديم المساعدات الفنية من خبراء ودراسات وتدريب وغيرها.
بداية, تقوم فاعلية هذا المشروع وجدواه وامكانية تنفيذه على مدى جدية وفاعلية برامج الاصلاح الاقتصادي والاداري الحكومية, لأن الدراسات التي يقدمها المشروع تتضمن اعادة هيكلة قطاعات وإدارات حكومية, ولايمكن لهذه العملية أن تنجز دون توجهات اصلاح جدية بالتوازي مع برامج المعونة الفنية.
من جهة أخرى, يقع العبء الأكبر من التنفيذ على أصحاب القرار والجهات الحكومية, لأن مهمة المشروع تتلخص في تقديم الدراسات وطرائق البحث لمجموعة من القطاعات وتنفيذ نماذج رائدة تطبيقية وذلك بالتعاون مع فريق وطني, بحيث يستطيع أعضاء هذا الفريق وبعض العاملين في القطاعات المختلفة من استيعاب نتائج البحوث وآليات العمل, وبالتالي يمكنهم الاستمرار بعد انتهاء المشروع.
إذاً, عامان من عمر المشروع انقضيا, وصارت الأسئلة حول تقييم المرحلة الأولى ونتائجها مشروعة, وحتى ضرورية.
ما هي النتائج التي توصل اليها المشروع? ما هي العقبات والصعوبات التي واجهته? ما مدى التجاوب الحكومي معه? وهل سار بالتوازي مع برنامج اصلاح جذري وشامل?
قبل دخولي الى الندوة, التقيت أحد الخبراء الوطنيين المساهمين في المشروع فقال لي:
هناك عيب في المشروع من الجانبين الأوروبي والوطني, ويتمثل في انفاق الجانب الأوروبي الكثير من المخصصات على خبرائه بنسبة تصل الى 90%, بينما يكون دور الجانب الوطني محدوداً. فأحياناً كثيرة يأتي الخبير الأوروبي ومعه دراسات كثيرة موجودة على حاسبه, فيقتطع من هنا وهناك وينجز تقريراً خلال ثلاثة أيام هو عبارة عن تجميعات, في حين أن معرفته للواقع الفعلي تكون محدودة ولم يغنها بشكل جدي. ويعود السبب الى عدم وجود شريك وطني له, فعندما يذهب هذا الخبير الى وزارة ولايجد شريكاً يفيده في معلوماته ويستفسر منه, تكون الفائدة محدودة عملياً ويوضع التقرير على الرف.
ألا يمكن أن نعزو السبب الى اعتماد المشروع على البحث وقلة الخبرات الوطنية وضعفها?
أنا لست ضد البحث, ولست ضد أن يخبرني أحدهم أن هذه الخريطة أو المخطط لمؤسستك خاطئ, لكن ضد أن يأتي ويقتطع من ثلاثين خريطة أجزاء متناثرة ويركبها في خريطة جديدة بحيث تبدو الى حد ما معقولة, لكنها تفتقد الى معرفة حقيقية بالواقع الفعلي. هذه تجربتي وهذا ينطبق على 80% من المشاريع. لكن هذا لايعني أن الجانب السوري لايتحمل المسؤولية. فعندما يزور خبير وزارة, لايجد من يتحدث الانكليزية ولايلتزمون معه بالوقت ولايعطونه معلومات صحيحة وإذا حاول أن يشرح لهم يتثاءبون, فماذا يفعل في هذه الحالة? يذهب عدة أيام متتالية, فلا يلمس جدية في التعاون, فيقضي فترة سياحة ويقبض المبلغ المرصود له ويغادر. وحتى نرفع الفائدة, يجب أن نبذل جهداً في اختيار الخبراء الوطنيين.
الخبير الأوروبي مارتن دوغراف أكد عدم وجود توازن بين الخبرات الأوروبية والوطنية وأيد أن مثل هذه الحالة تخفف من فاعلية وأثر الدراسات والنتائج الناجمة عنها, لاسيما أن المشروع يقوم على نقل الخبرات الفنية والتقنية وتفاعلها. وقال غراف: هذا صحيح وقائم في مشروعات كثيرة, لكننا حاولنا كثيراً في مشروعنا استخدام خبرات وطنية كفوءة وكان من الصعب ايجادها. وجدنا خبرات لكنها ليست كافية وهي قليلة وضعيفة. وحتى وجدنا خبرات وأشخاصاً جيدين في الوزارات ولديهم كفاءات ومتحمسين, لكن القيادات التابعين لها وقفت حائلاً في وجه استخدامهم.
وكيف تقيمون المرحلة الأولى من مشروع ISMF في سورية?
غراف: مشروع ISMF مرتبط بتقدم مشروع برنامج الاصلاح الاقتصادي, ونحن نقدم دراسات وخططاً وخبرات, لكننا لسنا صناع قرار والطرف الآخر هو المسؤول عما تبقى, مهمته القبول أو الرفض, ولايمكننا أن نفرض عليه شيئاً, فمثلاً قدمنا منذ 10أشهر مقترحات لإصلاح الإدارة العامة, في البداية أبدوا استعدادهم واهتمامهم, لكنهم تراجعوا ولم يتخذوا قراراً وبقي الاقتراح في الدرج.
وكيف تقيمون وتيرة المشروع?
غراف: كمعدل وسطي, هي في سورية أبطأ من باقي البلدان, أبطأ من دول شرق أوروبا والسبب أن تلك البلدان كانت أكثر قدرة على اتخاذ القرار ولديها رغبة بمواجهة المشكلة.
د.ليان قطيني, خبير في المشروع أيضاً, أكد أن النتائج كان يمكن أن تغدو أفضل بقليل, كما كان يمكن أن تغدو أسوأ بكثير لولا الجهد المبذول, لكن عموماً, كان الأداء جيداً بسبب تعاون الجانب السوري وكان يمكن للمشروع أن يسير بوتيرة أسرع, مضيفاً أنه ليس من السهل التنسيق بين عدة وزارات وايجاد قواسم مشتركة بينها, لاسيما أن المشروع برمته يعتمد على التنسيق بين مؤسسات وهيئات ووزارات, وهو عبارة عن برنامج معقد وليس بسيطاً.
وحول أثر القرار الاقتصادي على المشروع ووتيرته قال قطيني: لم نصطدم بالقرار الاقتصادي, والمسألة التي استغرقت منا وقتاً هي تباطؤ العمل في القطاع العام الصناعي, كان لدينا مشروع وكان هناك تحفظ عليه دون الدخول بالتفاصيل وفور طرحه. اليوم هناك توجيهات من اللجنة الاقتصادية بضرورة المضي فيه وأنه يجب انجاز شيء جدي في هذا القطاع. وحتى الآن لايوجد مشروع متكامل في هذا المجال, بل هناك اجراءات مؤقتة لاتأخذ بالاعتبار كل الاشكالات المترتبة على تحديث هذا القطاع.
واختتم قطيني أن الاتحاد الاوروبي يقدم المعونة على شكل مساعدة تقنية, أي تعليم كيفية العمل, وأن الناس تشعر بالفائدة على المدى البعيد, لأن عملية التحديث هي بناء القدرات المؤسساتية والبشرية, لذلك سيضع ال ISMF بعض دراساته في مشاريع تنفيذية حتى يشعر المواطن بالفرق, فمثلاً قد ينفذ مركز خدمة المواطن.
وفي محاضرة بعنوان (دور مشروع ال ISMF في تطوير الإدارة وخدمة المواطن) قدم د.قطيني تصوراً متكاملاً عن مشروع مركز خدمة المواطن موضحاً أن حلم تخفيف الاجراءات والورقيات قابل للتحقيق, مؤكداً, بعد استعراض مراحل المشروع, أن تنفيذه يحتاج الى دعم سياسي من الجهات العليا على مستوى الوزراء ورغبة في التوجه الى الأمام ورغبة في مراجعة بعض التشريعات والأنظمة وتغطية من الوزارات.
في جلسة الحوار, تناولت أسئلة الحضور قضايا عامة, تركزت حول مدى الاستفادة من مشروع ISMF في التطبيق العملي وكيفية جعل نتائجه محسوسة بالنسبة للمواطن, وكيفية تدريب وتأهيل العاملين في الوزارات المختلفة بالتوافق مع تحديث الادارات وآليات العمل المؤسسية.
وفي معرض الاجابات, قال د.قسطنطين زمان أنه المشروع يزرع الآن النتائج التي سيحصدها الناس في المستقبل, لأن التأثيرات ليست آنية وفورية, لذلك يجب انتظار النتائج, مضيفاً أن هذا المشروع كغيره في سورية ليس موجوداً ليجترح المعجزات, وهو لمساعدة الحكومة على القيام بالاصلاح, وهذه عملية طويلة قد تمتد الى 15 عاماً. وأكد زمان أن المهم هو تفعيل دور الناس واخراجها من سلبيتها, لا أن ينتظروا كل شيء من الحكومة.عبد الله الدردري :
الخمسية العاشرة
برنامج
إصلاح شامل
د. فرانك هيسكه : المرحلة التنفيذية
ستدعم تطوير
سياسات الاصلاح
رئيس بعثة المفوضية الاوروبية بدمشق د. فرانك هيسكه قال ان افتتاح المرحلة التنفيذية لمشروع ISMF يأتي بالتزامن مع الذكرى العاشرة لإعلان برشلونة, حيث تتوافق أهداف المشروع بشكل كبير مع مبادىء وأهداف برشلونة. مضيفاً أنه يتطلع الى عرض الخطة الخمسية العاشرة من قبل الحكومة السورية, لاسيما وأن ISMF قدم مصادر مهمة للمساعدة في تحضير هذه الخطة وخاصة في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والسياحة كما دعم المشروع قضايا الترويج للتنمية المستدامة المتوازنة وفرص العمل المتساوية .
وأوضح د. هيسكه أن المشروع في مرحلته التنفيذية سيساعد الحكومة السورية في نشر المؤشرات الاقتصادية وايصالها ما يجعل متخذي القرار والمستثمرين أكثر استعداداً للتنمية المستدامة والاصلاح وكذلك سيدعم الحكومة لتطوير سياسات واستراتيجيات تنفيذ الاصلاح , منوهاً إلى تقديم الدعم التطبيقي للتطوير الاداري في الوزارات الاقتصادية الاساسية كوزارات المالية والاقتصاد والتجارة وهيئة تخطيط الدولة. وأشار هيسكه الى ان دعم المواطنين هو أساس لأي حكومة كي تدفع باتجاه معايير قد تكون غير محببة في بعض الحالات لكنها ضرورية , وهناك سيقوم المشروع بدعم إنشاء مراكز خدمة المواطن وجعل مبدأ الحكومة الالكترونية حقيقة . مؤكداً ان الدعم في المرحلة التنفيذية سيشمل عدداً أكبر من الوزارات .