لسفن حربية أميركية إلى البحر الأسود بدعوى إجراء مناورات مع البحرية الأوكرانية مثيرة في ذلك حفيظة الروس خاصة وأن السفينة المبحرة للمشاركة في العملية التدريبية التي أطلق عليها اسم نسيم البحر 2011 هي مونتري المزودة بنظام دفاع جوي «إيجيس».
ليست هي بالمرة الأولى التي تجري بها مناورات بين البحرية الأميركية والأوكرانية. إذ سبق وأن جرت مناورات مماثلة في العام الفائت. لكن موسكو أبدت في هذه المرة امتعاضها وتقدمت باحتجاج عبرت به عن قلقها من قيام القيادة الأميركية بتحريك لإحدى وحدات القصف الأساسية من مجموعة الدفاع الصاروخي الإقليمي التي شكلها حلف شمال الأطلسي في المنطقة من البحر الأبيض المتوسط إلى الشرق.
لقد جاء بيان وزارة الخارجية الروسية مستنكراً اقتراب سفن حربية أميركية من حدودها بعد إلغاء الخطط الخاصة بإنشاء الدرع الصاروخي في بولندا وتشيكيا واعتبرت هذا التصرف تجاهلا لمخاوفها وطالبت بضمانات قانونية إزاء النهج الأميركي لبناء الجزء الأوروبي من الدرع الصاروخي العالمي الذي يقوم في مرحلته الأولى على نشر مجموعة من السفن الحربية الأميركية في البحر الأدرياتيكي وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط لحماية جنوب أوروبا من أي هجمات صاروخية محتملة. وأشار البيان إلى عدم وضوح الأهداف الأميركية من عملية نسيم البحر 2011.
أجابت الولايات المتحدة على تساؤلات روسيا بأن ما يجري هو عملية بحرية روتينية. لكن موسكو بقيت تتساءل عن الأسباب الداعية إلى إرسال مثل تلك السفينة الحربية المسلحة بأسلحة متطورة للتحرك إلى منطقة بالغة الحساسية.
لا ريب بأن تصعيد الولايات المتحدة من ضغوطها على الأسطول الروسي في البحر الأسود يمثل استفزازاً لروسيا إزاء موقفها من الاضطرابات في سورية ورفضها اتخاذ الإجراءات الأميركية بحقها على غرار ما فعلته في ليبيا. لكن روسيا على ثقة تامة بأن هدف الولايات المتحدة الذي تسعى إليه من تغيير النظام هو أن تحل محلها في وجود موضع قدم لها في هذا البلد.
تتحدث التقارير الغربية عن إراقة الدماء في سورية. لكنها تضرب صفحاً عن الحديث عما يقدم للمعارضة السورية من مساعدات خارجية. ولم تعر أي اهتمام للتحقيق أو التقصي في مقتل 120 رجل أمن أطلقت النار عليهم وقتلوا في موقعة واحدة.
لا شك بأن الغرب وإسرائيل ضالعون في الاضطرابات التي تحدث في سورية وهو أمر غير قابل للدحض. لكن تضارب الأقوال جعل روسيا تتيه في حرب المعلومات المتناقضة المتعلقة بهذا البلد، وتُوقعها في معضلة جعلت البعض ينظر إليها بأنها الطرف المعرقل وغير المنطقي عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية في سورية.
أعلنت موسكو على الملأ بأنها ستقف في وجه أي قرار في مجلس الأمن يدين سورية. وقد سبق لها أن صوتت ضد أي تحرك غربي لفتح ملف سورية النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإن المعضلة التي وقعت فيها موسكو هو أنها لا تستطيع أن تبدي موقفها علناً من أجندة الولايات المتحدة تجاه سورية لأن أي تفسير سيسيء لعلاقاتها مع الولايات المتحدة التي بذل الكرملين الجهود لتحسينها. لكن واشنطن التي تبذل قصارى جهدها لتضييق الخناق على سورية لن تسمح لروسيا بمساعدتها على الاستقرار، ذلك لأن ما ترغبه الولايات المتحدة هو ترك سورية وحدها منفردة لتواجه الغرب. لكن روسيا تعلم مسبقا ما سيلي تلك الخطوة إذ إن موقع البحرية الروسية سيتأثر بشكل كبير إذا تغير النظام القائم بنظام يوالي الغرب.
إن الولايات المتحدة تقع في قمة الراغبين في تغيير النظام في سورية. لكننا نتساءل فيما إذا كانت موسكو ستخضع لضغوطها أم تستمر على موقفها خاصة وأنها تبذل مساعيها الرامية إلى التعاون مع بكين لتبني موقفاً موحداً إزاء هذا النظام.
لا شك بأن مسار الأحداث في سورية له منعكساته على العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة حيث نجد أن إدارة أوباما التي تضع أمن إسرائيل في قمة سلم أولوياتها قد لجأت إلى إرسال السفينة الحربية إلى البحر الأسود لإبلاغ رسالة واضحة إلى روسيا بأنها ليست في واقعها سوى ظل باهت للاتحاد السوفييتي البائد.
بقلم: إم.ك. بهادراكومار