|
|
المقلّدون في الأرض كل خميــــس تكتب بحبر ثابت لايمحى – لأنه من ذاكرتك - ويكتبون بقلم الرصاص, مستعينين بالممحاة وعلبة (الكورّيكتر). تكتب عن مدن نالت منك ونلت منها, أدمت حذاءك وأدميت أرصفتها بخطاك الحائرة, حاورتها وحاورتك.. ويكتب المقلّدون عن مدن قرؤوا أسماءها في الخرائط وشاهدوها على نشرات الأخبار. المقلّدون يطيلون التردّد والنظر في المرآة, يخفون تجاعيد أرواحهم بكيّ ملابسهم أمّا أنت فتفتح خزانتك، تلبس ألوانك مغمض العينين وتمضي في الزحام. تكتب شيئا للصحافة وقد أمسكت قارئك من عنقه منذ أوّل عبارة أمّا هم فيحاولون الإمساك به من طرف ثوبه فلا يفلحون. تبتكر شخصيات دراميّة تحبّها بحلوها ومرّها..لأنها منك وأنت منها، وهم يفتعلون أطياف شخوص يمسكونها بالقفّازات ويخاطبونها عبر مترجم. المقلّدون لايستحون لأنهم يفعلون ما يشاؤون، أما أنت فتخجلك المنابر وتربكك آلات التصوير...(ويجرحك الماء). تمضي إلى فكرتك مثل سهم أفلت من قوسه، لاكبير لديك ولاصغير لديك،لا أصنام قي رأسك... أمّا هم فيمضون إلى وثنيتهم في كل لحظة.. إنهم يغصّون بالأمثال ويرتبكون حتّى في تنفّسهم. (تنام ملء جفونك عن شواردها) ويسهرون ويختصمون ويلهثون ويرتبكون. المقلّدون لايحبون إنما يتحدثون عن الحب، لايتألمون، إنما يتحدثون عن الألم، تماما مثل طبيب لايحس بمريضه. ينقش صنّاع الخزف والنحاس أسماءهم في زاوية خفيّة من القطعة أو يكتفون بما يعرف بضربة المعلّم: أي بصمة سريّة لايعرفها إلا أقرب المريدين وشيوخ الكار...أمّا المقلّدون فيكتبون أسماءهم بخط سيىء وعريض. المقلّدون لايخلدون إلى الصمت والاسترخاء والكسل والسأم، إنهم مثابرون على ملاحقة المبدعين وتمثّل طريقتهم حتى وإن كان الأخيرون يقلدون غيرهم. قيل إن شارلي شابلن قد دخل متنكّرا في مسابقة عالميّة لتقليد شارلي شابلن فكانت النتيجة أن جاء في المرتبة الثالثة..!نعم, كيف للواحد أن يقلد نفسه, كيف تستعير صوتا من جارك !؟ألم يقل الأجداد (ثوب العيرة ما يدفّي.. وإن دفّى ما يدوم). المقلّد يكره الذي يقلّده بالضرورة، كيف له أن يحب ضحيته؟! إنه على توجّس دائم وخوف مزمن بأن يكشف أمره.. هو في الحقيقة معجب جبان وحاسد لكنّ المتأثّر شجاع ويصرّح بإعجابه. الممتهنون لفن التقليد لهم شأن آخر ذلك أنهم يقدّمون أنفسهم كمقلّدين وعادة ما يتميّزون بروح الدعابة والمشاكسة على الشخصيات التي يقلدونها ثم إنهم ينطلقون من خلفية المحبة والإعجاب بكاريزما (الضحية). تلقي بنفسك من أعلى الطوابق وأنت واثق من أنّ الهواء سوف يتلقّاك بين راحتيه أمّا المقلّد فيلقي بنفسه خلفك، يتجاهله الهواء ويستقبله القاع وهو تعلّم بعد فوات الأوان أن ليس للسقوط قاع.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
