تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوتار .. زرعت في بيتي شتلة ورد

آراء
الخميس 14-7-2011
ياسين رفاعية

في الغربة حيث أقيم يشغل الوطن بالي، وخصوصاً في مثل هذه الأيام، حيث البعض يحتجون على مطالب يريدونها وهاهي تتحقق تباعاً، ولا يمضي أسبوع أو أسبوعان حتى يتعافى الوطن ويعتلي فوق الجراح لئلا يسقط سقف البيت على الجميع..

جاءتني ديما ضيفة فاستمعت منها تفاصيل عما يحدث، ولكن كانت مثلي متفائلة وأن الوطن سينهض من جديد لكل أهله.‏

جاءتني ممتلئة بالصبا والجمال، مقبلة على الحياة إقبال الربيع على الدنيا جاءت بحضورها البهي إلى رجل شاخ وتكسرت به النصال على النصال.‏

هي الشباب، الشباب - كما نعرف - هي باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله كما أن أطيب الثمار بواكيرها..‏

قال الشاعر:‏

أحلى الرجال مع النساء مواقعاً‏

من كان أشبههم بهن خدودا.‏

بينما أكلت التجاعيد وجهي ورسم القدر خطوطه المتعرجة على جبيني فلا يجرؤ رجل مثلي أكل عليه الدهر وشرب أن يقول كلمة غزل - ولو بريئة- لفتاة بعمر الورد.‏

أكثر ما بكت العرب بكت على الشباب ربما سبب ذلك أن المرء إذا تجاوز العمر عتياً، ولم يعشق ولم يحب ولم ينجب أولاداً فهو حي ميت.‏

أعود إلى شعر الرثاء على الشباب فأتذكر قصيدة للشاعر الراحل أمين نخلة يرثي بها شبابه منها:‏

ولى الشباب وعصره الناعم‏

ما كان أقصر ليلة الحالم‏

هل من يرد الزهر ثانية‏

إليه مني عيشي القادم؟‏

يا عابري درب الشباب قضوا‏

هل منكمو لأخي أسى راحم؟‏

أزف الرحيل ورفقتي سبقوا‏

إنا على أخبارهم حائم‏

أو قوله في قصيدة أخرى:‏

أحمامة تبكي على الصيف المودع؟‏

لا علينا:‏

ابكي علينا، يا حمامة، واحملي‏

دمعاً إلينا‏

نحن الذين هوى بهم فلك‏

وأسقط في يدينا‏

كنا الملوك على الشباب‏

وكانت الدنيا لدينا‏

كنا الغصون الخضر في كف الملاحة‏

والتوينا‏

نمشي ونهرع بالشباب‏

إذا مشى الناس الهوينا‏

إنا بنينا للشباب‏

ولم يدم ما قد بنينا‏

يا فائت الأيام‏

تسألك المدامع‏

أين . أينا؟‏

فانظر إلى هذه الضيفة الملأى بالشباب، والأمل والمستقبل وأن الدنيا ستكون لها ومستقبلها فيما أنا قد تركت شبابي ورائي وأسرعت إلى الشيخوخة على ما عرفت وشاهدت فكنت أكبر كل سنة سنوات حتى شبت وما الدهر شاب قال الشاعر:‏

يا عامر الدنيا على شيبه‏

فيك أعاجيب لمن يعجب‏

ما عذر من يعمر بنيانه‏

وعمره منهدم يخرب‏

هنا لا يقدر من مثلي أن يتحدث عن عاطفة الحب، مرة قلت لسيدة أحببتها هي في ريعان الصبا، وأنا شخت ويدي ترتجف أحبك.. فقالت دون أن تدير وجهها نحوي: استح لماذا أستحي؟‏

أليس لي قلب يخفق وعين ترى، كيف أدير وجهي إذا مرت بي حسناء لأن عكازي تحت يدي عليّ أن أستحي.‏

أنشد ابن المعتز:‏

رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي‏

فأعرضن عني بالخدود النواضر‏

وتروي كتب التراث أن رجلاً أشمط مر بامرأة عجيبة في الجمال فقال: يا هذه إن كان لك زوج فبارك الله لك فيه وإلا فاعلمينا فقالت كأنك تخطبني قال: نعم، فقالت: إن فيّ عيباً، قال: وما هو؟ قالت: شيب في رأسي فثنى عنان دابته (أي مشى بها) فقالت: على رسلك فلا والله ما بلغت عشرين سنة، ولا رأيت في رأسي شعرة بيضاء ولكن أحببت أن أعلمك أني أكره منك مثل ما تكره مني، فبين الشيخوخة والشباب عداوة ما بعدها عداوة.‏

قال الشاعر:‏

عريت من الشباب وكنت غضاً‏

كما يعرى من الورق القضيب‏

ونحن على الشباب بدمع عيني‏

فما نفع البكاء ولا النحيب‏

فياليت الشباب يعود يوماً‏

فأخبره بما فعل المشيب‏

ويقال، بل ما أجمل هذا القول: إن الرجل إذا شاب ليله عسعس وصبحه تنفس.‏

ومن ابن المعتز أيضاً:‏

فما أقبح التفريط‏

في زمن الصبا‏

فكيف به والشيب‏

في الرأس شامل‏

وكان الخليفة المأمون يتمثل بقول الشاعر:‏

رأت وضحاً في الرأس مني فراعها‏

فريقان مبيض به وبهيم‏

تفاريق شيب في السواد لوامع‏

فياحسن ليل لاح فيه نجوم‏

أو كما قال شاعر آخر:‏

تسود أعلاها وتأبى أصولها‏

وليس إلى رد الشباب سبيل‏

وها آنذا أقول لك أيتها الصبية الشامية، بشعرك الأسود المنسدل كالحرير على كتفيك، بعينيك الزيتونيتين وثغرك الملموم كوردة فل من وراء هذا الصمت الحاد من وراء هذا السكون القبري أشتهي بديلاً لكوكبي بديلاً لفضاء يتسع لأشواقي بديلاً لباب لا يغلق في وجهي سراب.. سراب.. كل ما كان هذا الماضي كل ما كان هذا الحلم كل ما كان هذا الحاضر سراب، وأخرج من الروائع لهباً يطفئ كل شيء ويحرق كل شيء.. من هذا السراب.. جئتك ولا موقع أصبع في روحي وجسدي إلا وفيه طعنة، خذي هذا الحنين فقد زرعت في بيتي شتلة ورد، أظن أنها ستثمر - بلا شك - شجرة باسقة تحمل اسمك.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية