أنشودة الحياة
ملحق الثقافي 28/3/2006 النص القصير الذي سوف أقدمه فيما يلي، هو واحد من نصوص كثيرة على شاكلته. وعلى الرغم من أنه وجد في مقبرة تعود في تاريخها إلى حوالي عام 1300ق.م. إلا أنه نسخة عن نص أقدم وضعه في قبره أحد ملوك الفترة الانتقالية الأولى في التاريخ المصري فيما بين أواخر الألف الثالث وأوائل الألف الثاني قبل الميلاد:
هذه الأغنية من قبر الملك إنطف، وُضعتْ أمام المغني الذي يعزف على الهارب: كم هو صالح هذا الأمير الطيب، على الرغم من أن رياحه المؤاتية قد ولَّت. أجيال تمضي وأجيال تجيء، منذ زمن الأسلاف القدماء. الملوك المؤلهون الذين كانوا في ذروتهم، يستريحون الآن في أهراماتهم؛ والموتى المنذرون للحياة الخالدة، يثوون الآن في صروحهم؛ والذين بنوا وأشادوا وانمحقت أبنيتهم، أين هم الآن جميعاً؟ لقد سمعتُ كلام الحكماء من أمثال لي- أم- حوتب، وحور- ديفر، من يتناقل الناس أقوالهم حتى الآن. أين هم الآن؟ أين مساكنهم؟ جدرانهم تهدمت ومساكنهم انمحقت، وكأنهم لم يكونوا قط، وما من أحد عاد من هناك ليخبرنا بأحوالهم، فتطمئن قلوبنا لحديثه. فإلى أن نمضي إلى المكان الذي ذهبوا إليه، أسلم نفسك لكل ملذة ومسرة، حتى ينسى قلبك كل الطقوس الجنائزية المعدة لك. اتبع رغباتك طالما أنت على قيد الحياة، ضمخ رأسك بالطيوب والبس أفضل الثياب، وامسح جسمك بالدهون الفاخرة المنذورة للآلهة. كرس نفسك لكل ما هو مبهج، ولا تدع الهمّ يقارب فؤادك. اقض كل حاجة لك وفق مشيئة قلبك، إلى أن يأتي يوم النواح عليك. ويوم ذاك، حزين القلب لن يسمع النواح، وما من عويل سوف ينقذ المرء من العالم الأسفل. «اللازمة»: أقم الاحتفالات ولا يغتم منك القلب، ولا تنس أن المرء لا يأخذ معه شيئاً إلى القبر، وما من أحد قضى وعاد إلينا ثانيةً. ونلاحظ في القسم الأخير من هذه الأنشودة شبهاً بأحد المقاطع الجميلة في ملحمة جلجامش، حيث تقول فتاة الحان لجلجامش الذي يهيم على وجهه في البراري باحثاً عن سر الخلود: إلى أين تمضي يا جلجامش؟ الحياة التي تبحث عنها لن تجدها. فالآلهة لما خلقت البشر، جعلت الموت لهم نصيباً، وحبست في أيديها الحياة. أما أنت يا جلجامش، فاملأ بطنك. افرح ليلك ونهارك. اجعل من كل يوم عيداً. ارقص لاهياً في الليل وفي النهار. اخطر بثياب نظيفة زاهية. اغسل رأسك، تحمم بالمياه. دلل صغيرك الذي يمسك يدك. واسعد زوجتك بين أحضانك. هذا نصيب البشر.
|