تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوطني الراقي ؟

آراء
الحميس 21-7-2011
حسين عبد الكريم

- برأيك المطاعم والأماكن النظيفة والراقية.. روادها من الراقين؟

- الأمر سياحي ومالي .‏

- إذاً لا يرتاد المتنزهات الفخمة إلا ذوو المال... كيف يكون هذا المال؟!‏

-الرقي رتبة نفسية وإنسانية واجتماعية تفوق (الموضات) والبطر، ولا ينتمي الرقي إلى موالاة أو معارضة.. يصير رقياً بقدر ماهو يشبه الإنسان، ويصير رقياً أكثر حين يتشابه مع الوطن، الذي يشبه الجميع .. يشبه الأرض والأشجار والفلاحين والحزينين، والعشاق المثقفين جداً، والعشاق فوق المثقفين، الذين يتدربون على محفوظات البساطة والوجد والقناعات النظيفة والأحلام.‏

- المال ليس راقياً.. أو لأقل لك لا تعنيه النظافة والقناعات، بقدر ما تعنيه الأبهات والسعة والكميات والثروات؟! المال إلا أقله يميل إلى البهاء التصنيعي؟‏

أنت تريدين أن تقولي: إن المال مختل عقلياً وأخلاقياً؟‏

- وأكثر.. الثروات التي نلمحها تزور المطاعم ال «خمس» نجوم والـ «ألف» نجمة، وما بينهما هي منافقة مثل غيمة لا تمطر..‏

وهي نافقة مثل قطيع نسيه الراعي بلا ماء وعشب وهواء..‏

الوطني الراقي يا حبيبتي يتماثل للحب وعافية الجيرة والألفة والحزن والحياة .. وهو الذي لا يوالي أو يعارض من أجل (جيبه).. وقاره يستمده من هناءات باله البلدي، الذي لا يحتمي بالعيوب أو العار أو الزيف بحجة أنه حداثوي ومتطور .. ولا يحتمي بـ «الياقات» والمجاملات والولاء للمنفعة والمكانة الملحقة الذين يمرون إلى قناعاتهم عبر لعنات النفاق والأنفاق، وفيما بعد يملكون مالاً ويتبجحون بأنهم نصبوا وسرقوا واحتالوا، ووالوا أو عارضوا.. هؤلاء يا حبيبتي جرب الرقي وطفح مرضي يصيب قامة الأيام ويلعن المطاعم والمتنزهات الراقية بوصمة ماله وحقارة حاله.‏

والفقراء الذين يتعالون على فقرها باللف والدوران، لا ينالون من الرقي إلا الفتات وحطام (الطاولات) وكسرات الإهانات ومذاقات الذل البائس ، غير مدفوع الثمن..‏

الوطني الراقي ثقافة عريقة يا حبيبتي مثل زيت الزيتون والنبيذ المعتق وكروم العنب والتين، التي يصادفها العابرون إلى المساء والمسافات والغايات الساطعة والأحباب الساطعين، والحبيبات الساطعات..‏

الحمد لله على الحب الراقي والوطن الحنون، الذي يشبع من أجل جوعنا، ويفرح من أجل أحزاننا.. ويبصق في وجه الفساد.. أي فساد من الموالاة أو من المعارضة..‏

منذ وعيت الحبر حباً وأنا أمشي حافياً كالأرغفة بين الجوع والشبع والعشق والقطيعة .‏

أمشي بهدوء كيلا أثير شهية الكون، لقسري على أن أكون من معارضة أو موالاة..‏

فقط أسير إلى وطني ..وحين أعرف عينيك يا حبيبتي.. أقول : عينا حبيبتي تشبهان إلى أقصى الحدود كل ما لدى القلب من وطن..‏

القلب بلا وطن مثل رعاة بلا شجن ومزامير..‏

القلب بلا وطن يتصحر ويصبح مكاناً موبوءاً للكراهية والقباحة والحقد والموت..‏

القلوب صغيرة لكنها أوطان صغيرة بحجم كل الحب وكل الأشواق وكل التمنيات والترابات والأغصان والثمار والأفراح والأحزان والبقاء والبكاء ..‏

الوطن يشبه الحرية والينابيع.. ويتبادل الخيرات والمواسم مع جميع الحقول والعقول... ويسقي بلا تعب‏

الوطن أم جميلة ورحبة الطباع، لا تفرق بين ولد وولد، وتلة وتلة وغيمة وغيمة وشجرة وشجرة.. وهل وجدت في عمرك وطناً يوالي غابة ويعارض بستاناً أو جبلاً أو نهراً أو ساقية؟!‏

الوطن يغدو وطناً بكامل هيبته وأهميته، لأنه أعلى من أي تسميات وصفات يؤلفها بذات كيانه وحقيقته ..‏

الوطن نهج رحماني جامع مثل القواميس ، بين دفتي وجدانه كل المعاني والأماني..‏

بعد هذا ألا نتفق على أن الرقي العابث بمقدرات الروح وكفاءة الحب الوطني انحطاط بصيغة أبهة وبطر؟!‏

والثروات الصغيرة أو الكبيرة التي تصطحب معها جيلاً ضخماً من الكذابين موالين أو معارضين هي ثروات لا تؤدي إلى الحب الراقي والوطني الراقي والجيرة الراقية.. والصديق الراقي.. والزوجة الراقية والزوج الراقي.. إنها مثل صراخ يبعثر الهناءة ويوزع الصداع على المتصدعين..‏

(فلان معه مال يعتبر راقياً) إنه كذبة كبيرة يا حبيبة.. وإنها كذبة.. وفلان من المعارضة أو من الموالاة لا يهم.. الذي يهم كم يشبه الفلان والفلان والفلانة والفلانة الوطن وإنسانية البشر والشجر والمطر والحياة والشجاعة والحذر..‏

الفقراء رقيهم يتعلمونه من حسهم الحنون..والمزارعون يتثقفون بالرقي من علاقاتهم البسيطة مع السقي والرعي والعشب والثمار.. والنساء السوريات فنانات رقي، إلا حين يخطئن في التفريق بين المال والرجال..‏

وبين الأحباب والأرذال. وكذا رقي الحرفيين وأصحاب المهن والصناعات اليدوية والأفكار.. لكل منا مهنتان واحدة للعيش والمهنة الثانية وطنيتنا.‏

وطنيون ووطنيات وراقون وراقيات من غير رقي مالي ملعون ومن غير رقي معارض أو موالٍ..يكفي القلب أنه بوطن واحد وجميل وحب كبير وأصيل.. وبهذا تغير القلوب ما بها من خراب، وتلعن الفساد والرقي الدارج، الذي بلا وطن.. بلا وطن .. رقي زور وبهتان؟!‏

هكذا الأمر: الرقي الذي بين يدي الأماكن والبطر والخدائع ليس وطنياً..وليس رقياً.. وليس حنوناً، بل وحشياً ولعنة مثل طاعون يصيب وجدان النساء والرجال والأرض .‏

زمن وطني بسيط تؤلفه حياتنا الراقية.. ليكفينا رقياً، ونحترمه ونحياه..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية