|
جــــائـزة أدب الـــطفل آراء وكنت في لجنة جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان لقصة الطفل العربي، وقرأت باهتمام القصص القصيرة المشاركة في المسابقة، وهي أدب الكبار للصغار، أي قصص يكتبها الكبار من أجل الطفل العربي، حتى سن الرابعة عشرة. بداية أحب أن أعترف أنني من القلقين جداً، والمعنيين إلى أقصى حد بتنشئة الطفل العربي والمفاهيم والقيم التي يربى عليها، وطرق التربية التي لاتزال تعتمد على التلقين، والتعليم بالإكراه، إن كان بإمكاني استعمال هذا التعبير، ولانزال نفتقد للحوار مع الطفل، بل على العكس، هناك الكثيرون ممن يعتقدون أنه من الخطأ أن نتحاور مع الطفل وأن الشدة لازمة وأساسية للعملية التربوية. وأحب أن أعترف أنني رغم غزارتي في الكتابة، خمس عشرة مجموعة قصصية، وعشر روايات، ورغم حبي الشديد للأطفال، فإنني لم أحاول أن أكتب للطفل، ربما لإحساسي الكبير بالمسؤولية وخطورة هذا النوع من القص.. ربما لأني أشك أنني مؤهلة لابتداع قصص تؤثر إيجاباً في الطفل، وتلعب دوراً رئيسياً في تربيته وتبنيه مفاهيم أخلاقية سلوكية هامة. بداية يجب أن نتوجه بالشكر للقيمين على هذه الجوائز القيمة والتي تهتم بأدب الطفل العربي، لأن أدب الطفل هو أكثر أنواع الأدب إهمالاً وتجاهلاً، وهو أكثر أنواع الأدب في عالمنا العربي يفتقد للابتكار والإبداع وكثيراً ما نرى قصصاً للأطفال بإخراج بديع، صور فاتنة، وأحياناً يرافقها كاسيتات تحكي القصة، إلى ماهنالك من فاتحات شهية للأطفال كي نجرهم إلى القراءة، لكن للأسف أغلبية هذه القصص تفتقد للإبداع والابتكار والأفكار التي تترسخ عميقاً في وعي الطفل العربي، معظمها تقليد لقصص عالمية، مثل بلانش نيج والصرصار الكسول والنملة المجتهدة، وبائعة الخبز.. إلى ما هنالك. وتكمن الخطورة في كتابة أدب الطفل، إن هناك الكثير ممن يستسهلون ذلك النوع من الكتابة، كونهم يتوجهون لطفل، أي إلى شخص قاصر، محدود الفهم والثقافة، والأهم غير قادر على المحاكمة، وتقييم مايقرأ، إن هؤلاء الدخلاء على أدب الطفل يشعرون بالراحة ويحسون بسلطتهم المطلقة في خربشة ما يشاؤون من القصص كيفما اتفق، لعدم وجود منافس، ولامن يحاسب، لأن الطرف الآخر في المعادلة هو طفل. وللأسف فإن النقاد لايتوجهون باهتمام لأدب الطفل، كما يتناولون أدب الرواية أو الشعر. والسؤال المطروح بقوة: ما أهمية أدب الطفل، في زمن إغواء الشاشة، أفلام الكرتون الساحرة والتي تجذب الكبار والصغار على السواء، لسويتها الفنية العالية، ولاستفادتها من التطور الهائل في تقنيات الصورة والإخراج؟ ألا تكفي ثقافة الصورة المتحركة في تنشئة الطفل، وفي ترسيخ القيم الأخلاقية والسلوكية لديه! ألم يتعرف أطفال العالم على أروع أنواع الموسيقا الكلاسيكية من خلال بعض حلقات توم وجيري! إذاً ما أهمية أدب الطفل المكتوب، ولماذا نحاول أن نجر الطفل العربي للقراءة! ومانسبة الأطفال الذين يحبون القراءة في زمن الغواية هذا، حيث صارت ألعاب الكمبيوتر متنوعة وغنية ولاتحصى، وتفننت حدائق الأطفال ومدن الملاهي في ابتداع ألعاب لم تخطر على بال الأطفال... حتى إن هناك أجهزة يمكن للطفل أن يدسها في جيبه أو حقيبته المدرسية، ويستعملها وقتما يشاء ليمارس عبر شاشتها الصغيرة العديد من الألعاب المسلية. يتفق علماء النفس وعلماء نفس الطفل تحديداً، على أن القراءة هي أفضل أسلوب لتنشئة الطفل، لأن القراءة والقصص تحديداً، هي الحافز الأكبر لتفجير الطاقات الإبداعية، والخيال عند الطفل، القراءة تسمح للطفل أن يبتكر المكان، والشخصيات والفضاء الذي تدور فيه الأحداث، بل تسمح له أن يتدخل في بنية القصة، ويتخيل احتمالات مخالفة لسير الأحداث، وتساعده كي يحاكم وينتقد،ويحب ويكره، وينفر ويعشق مايقرأ... وأكبر دليل على ذلك، التأثير المدوي وغير المسبوق لسلسلة روايات هاري بوتر. ما الذي يجعل قصة مكتوبة للأطفال تحقق مبيعات بالملايين من النسخ في العصر الذهبي لثقافة الصورة؟ ما الذي يجعل أطفال العالم يقفون في طابور طويل ليشتروا قصص هاري بوتر... صحيح أن الروايات تحولت إلى أفلام ناجحة فيما بعد، لكن النجاح المدوي حصل عندما كانت تلك المغامرات الخيالية والمشوقة لهاري بوتر مكتوبة على ورق، إن هذه الظاهرة تدل على مدى تعطش الطفل للقراءة، لأن القراءة وحدها هي محفز الخيال والإبداع، وهي وحدها تجعل الطفل خلاقاً لعالم يبدعه خياله وأفكاره، بعد أن تحفزهما القراءة. أنا مؤمنة أن الكتاب سيبقى حجر الزاوية لأي إبداع، بل إنه الرحم الذي تولد منه كل الفنون والإبداعات، إن روائع الأفلام السينمائية اقتبست من روايات عظيمة، حتى إن أهم اللوحات الفنية مقتبسة من شخصيات وأحداث روائية. وأعتقد أن التدني المخجل لمستوى القراءة عند الطفل العربي، يعود بالدرجة الأولى لافتقاد أدب الطفل إلى التشويق والابتكار والإبداع، والقدرة على ترسيخ قيم وأخلاق مقنعة وصامدة في ذاكرة الطفل... لماذا لم يتمكن كاتب عربي من خلق شخصية ساحرة مثل شخصية هاري بوتر؟ ولماذا يظل أدب الطفل محكوماً بالتقليد وبالترجمة التي كثيراً ما تكون رديئة لأشهر القصص العالمية في أدب الأطفال؟ ومن خلال قراءتي الدقيقة لعشرات القصص المشاركة في مسابقة أدب الطفل، لفتتني قصص رائعة وقمة في الإبداع، وهذه القصص الواعدة والتي لاتشبه إلانفسها، بطزاجة الابتكار الفني وتميزه، هي التي ستفتح الطريق أمام انتعاش أدب رائع هو أدب الطفل، حوالي خمس قصص قصيرة كانت مميزة وإبداعية وتستحق الجائزة، وسوف تنشر بالتأكيد ويقدر أصحابها الشباب، والأهم أن لجان الجائزة تنوي أن تحول تلك القصص إلى أفلام كرتون. وأخيراً، أحب أن أسرد تلك الحقيقة التي أستشهد بها مراراً، وفي كل مرة أحس بغصة ألم وحسرة في قلبي، والحقيقة أن اليابان التي خرجت مهزومة ومدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، حققت ما حققته من ثورة مدهشة في مجال العلم والصناعة والأدب أيضاً، لأن المسؤولين قرروا أن تكون أعلى الرواتب في الدولة لأساتذة المرحلة الابتدائية، وكان راتب مدرس الصف الأول الابتدائي يفوق راتب وزير! لأن صناع القرار وقتها - ورغم الهزيمة والدمار الساحق لليابان بعد الحرب العالمية الثانية فهموا أن أساس نجاح المجتمع هو تأسيس لطفل ناجح وذي محاكمة صحيحة وثقافة عالية، لأن هؤلاء الأطفال سيكونون صناع المستقبل بعد سنوات قليلة. وكانوا على صواب، بينما كثير من الدول المهزومة والتي كانت مثل اليابان مدمرة وفقيرة، ما زالت تراوح مكانها، إن لم نقل تتراجع أكثر فأكثر إلى التخلف والفقر... لأن صناع القرار لم يهتموا بتنشئة هؤلاء الصغار الذين هم وحدهم نواة الحياة وصناع المستقبل المشرق.
|