|
قراءة في حدث.. معاني التكريم آراء من قبل المجتمع الذين ينتمون إليه بأنهم كانوا من فئة بناة الوطن ولذلك استحقوا التكريم. ومن مدلولات هذه الظاهرة الحضارية، أن المجتمع لا يبخل على أبنائه المكرمين بكلمة شكر وامتنان، وإن كان عطاء المواطن ، أي مواطن، لوطنه لا يجوز أن ينظر إليه على أنه عطاء بانتظار المكافأة ، بل هو يندرج تحت عنوان الواجب. إن تكريم فئة ما من فئات المجتمع، وفي مناسبة تخص أفرادها تحديداً، على غرار التكريم الذي رافق مناسبة الاحتفاء بإحالة عدد من المعلمين إلى التقاعد موخراً، بحكم القانون أو استجابة لرغبتهم، وفي مناسبة الاحتفال السنوي بعيد المعلم ، كما في كل عام، لابد أن تسجل لوزارة التربية وقفتها الحضارية هذه، حيث المحال على التقاعد غداً، بحكم تكريمه لعطائه المستدام على مدى سنوات طويلة، معلم من المعالم التي تركت بصمتها في بيئتها ، لما كان له من دور في صنع الإنسان المرتجى ، موجهاً ومدرباً وهادياً ، ليكون هذا الإنسان جانباً مفيداً من ذخيرة كان يعد للمستقبل وكذلك سوف يبقى على امتداد سنوات قادمة. المعلم الذي يحتفل بلدنا بعيده عاماً بعد عام ، يبقى حارس تلك الذخيرة والمؤتمن عليها وحامل هواجس اصحابها، كما الزارع يعطي أرضه الجهد وعرق الجبين إلى أن يحين وقت قطاف الزرع فيغدو الأمس من شهور السنة أو من سنوات العمر، ذكرى لا تنسى ، وصفحة مرشحة للقراءة في كل الأزمنة . ولهذه الاعتبارات قيل في المعلم من الكلمات، نثراً وشعراً على حد سواء، مالا يمكن حصره مهما بلغ أحدنا من القدرة على تكرار المحاولة. إن تكريم المعلم، في مناسبة إحالته إلى التقاعد، يندرج في سياق الواجب الذي يترتب على المؤسسة التربوية في وطنه، وفي أداء مثل هذا الواجب تكريم لمبدأ التفاعل مع الذات أيضاً. إن تكريم المعلم يعني ، بشكل أو بآخر ، تكريم الوزارة المعنية لذاتها. ومن هنا يتقاسم المكرِم والمكرَم مشاعر الامتنان ، كذلك فرح الانتماء إلى المؤسسة التي تصنع الانسان، منذ بداية تفتحه على الحياة حتى مراحل متقدمة من سنوات دراسته وصولاً الى الحرم الجامعي. ولأن المعلم المكرم لا يشعر، بينه وبين نفسه، بأنه غدا مجرد رقم في مجتمعه، بسبب إحالته إلى التقاعد ، ففي وسعه أن ينتقل ، بإرادته إن هو شاء ، إلى مستويات أخرى قد تتطلب منه المزيد من العطاء، فيكون الموجه والمربي والمرشد بين أفراد الخلف من أفراد اسرته، وربما في أوساط فئات من أبناء مدينته أو قريته أو حيه ، ممن يقرأ في عيونهم شغفاً للاستزادة من معارفه التي اكتسبها خلال مهنة التدريس ، وبذلك يغدو سنداً للمؤسسات التربوية في أداء دورها. وهنا قد يتطلب الامر التفكير بإحداث ما يقارب نادي المحاربين القدماء ، تحت عنوان نادي المعلمين المتقاعدين ، على سبيل المثال، ليكون ناديهم مقراً يزود الراغبين بالاستزادة من المعارف ، تجنباً لما يجلبه الإحساس بالفراغ على المتقاعد من شعور الضال في مدينة غريبة يسير بحثاً في أرجائها عن دليل ولكن عبثاً. أن يرسم الانسان لنفسه نقطة نهاية ليقف عندها، تعني سيره بالاتجاه المعاكس لما بدأه قبل سنوات عديدة من احالته إلى التقاعد ، هذا ان لم نقل سيره باتجاه هدم ما بناه قبل تلك السنوات. ان كل دقيقة في حياة الإنسان تصلح لأن تكون نقطة بداية بحيث لا يكون لنقطة نهاية ادنى وجود في حاضره. ومن لم يدرك هذه الحقيقة، أو يتجاهل مصداقيتها ، ربما كان مغالياً في احساسه بأن دوره كمعلم في الحياة قد انتهى. Dr-louka@maktoob.com
|