تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حب ولاهوت موريس قبق

ثقافة
الخميس 2-4-2009م
سوزان ابراهيم

كل عمل عظيم كان في الأساس مغامرة, النبوءة مغامرة, الثورة مغامرة, والحب مغامرة, واكتشاف أمريكا مغامرة, وكتابة القصيدة

بشكل مختلف هي مغامرة المغامرات, إنني لاأخشى على القصيدة من الخروج في الليل وحدها , ولكنني أخاف عليها من الجلوس خلف الأبواب المغلقة إلى أن تصبح عانساً, إنني ضد سجن القصائد, مثلما أنا ضد سجن النساء!‏

لا أدري ما التاريخ الذي قال فيه نزار قباني تلك الكلمات, لكن من الممكن التأكيد أن موريس قبق الشاعر الحمصي المغيّب بإرادته حينا, وبجهلنا أحياناً, قد تعامل مع القصيدة بتلك الروح المغامرة التي ترفض سجن القصيدة وسجن النساء أيضاً, ولعله يدري بما قالته الروائية الفرنسية أناييس نين عن الكتابة: " إن لم تتنفس في الكتابة, إن لم تصرخ, أو تغني في الكتابة, إذاً لا تكتب, لأن ثقافتنا ليست بحاجة إلى هكذا كتابة!" فإذا به يصرخ عالياً جداً, فيثير زوابع المتكلسين والمتحنطين.‏

في ديوانه " الحب واللاهوت" الصادر عام 1962 اقتحم قبق مستقراتِ تراكمِ التقديس – المجاني غالباً – وينبغي أن نلحظ ذلك من العنوان ذاته الذي يدلل بشكل واضح على مضمونه الحب واللاهوت أساسان متينان بنى موريس قبق عليهما شعره, وأعني عشقه للمرأة ورفضه للطقوس. حين لم تدرك حمص بداية الستينيات – رغم أنها كانت فترة حراك مؤثر على كافة الأصعدة – منبعي شعره, وجوهره, انكفأ كأي وردة يانعة وانسحب إلى النسيان مقدماً استقالته من مملكة الشعر إلى غير رجعة.‏

لعل موريس قبق تطرف في تمجيد الحب وحض النساء على مجاراة جرأته وعفويته, أما من الناحية الدينية فقد قال الناقد حنا عبود: إن لموريس فلسفة روحانية وعقيدة أقرب إلى البوذية وقد تبدى ذلك في شعره وهكذا وبفعل طبيعته ومزاجه الخاصين , وجد نفسه محاصراً ففضل الصمت.‏

سبق موريس أفكار عصره وهزّ مستحاثات ترقد في عقولنا, وهذا ديدن المؤسسين الحالمين والأطفال الذين ما زالوا يحتفظون بالبراءة, هل رأيت طفلاً يخشى النار أو المقدس أو المحنط فينا؟ ظلم موريس قبق, وظلم ديوانه لأن المدينة قرأته على طريقة ( لا تقربوا الصلاة ) ولم يغوصوا فيما يدعو إليه من تحرر وحرية وإعمال العقل, وأعتقد أن مدننا العربية ما زالت وعلى نطاق واسع تمارس الظلم على المؤسسين والمجددين والحالمين.‏

من قلب النسيان والصمت أعاد أصدقاء الشاعر الحياة لديوانه الذي كان يتيماً, فأضافوا إليه ما كتبه قبق تحت عنوانين: شهيد النهد الأسود, وأوراق متناثرة, هل نسأل: لو أن موريس قبق لم ينسحب من ساحة المعركة, كيف كان شكل القصيدة؟ الأمل دوما يسبقنا ونتبعه فإن انسحب شاعر- مغامر- حالم فثمة دائماً آخرون.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية