هناك مجموعة قصصية عنوانها (حكايا صلصالية لنساء ميتات) تضمنت ثلاث حكايات تاريخية صدرت في عام 1996 كانت مختلفة عما سبقها من القصص التاريخية.
جاء تميز (حكايات صلصالية) التي كتبتها نادية الغزي من خلال الاستناد إلى واقعة تاريخية موثقة وأسلوب القصص، ولم تأخد حقها من النقد والتحليل عند صدورها، وعرفها الناس على نطاق واسع بعد صدورها بست سنوات عندما تحولت إحدى قصصها الثلاث إلى مسلسل تلفزيوني بذات العنوان الموجود في المجموعة (نساجة ماري)، وسبق للكاتبة أن نشرت ست روايات أشهرها (شروال برهوم).
ولا نغالي إذا قلنا إن (حكايا صلصالية) تمتلك فرادة لا نجدها في الروايات التاريخية، فقد اختارت نادية حكاياتها كما جاء في المقدمة من الرقم الفخارية في ايبلا وماري على ضفاف الفرات ومن رقم حاتوشا عاصمة الحيثيين في وادي النيل، وروت الحكايات على لسان بطلاتها الميتات زائشة بنت النقاش من القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد وأم معرات عشتار من القرن السابع عشر قبل الميلاد وعنخ سن آمون من القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وقد صاغت المؤلفة نادية الغزي حكاياتها بلغة أدبية جميلة معاصرة تميزت بسلاسة السرد القصصي ومتانة اللغة، وضمنتها مفردات حوارية من الشرق القديم لتعطي الحكاية أبعادها التاريخية، فكانت مثالاً لكتابة الواقعة التاريخية برصانة أدبية وعلمية مستندة إلى مصدر تاريخي مدون، فسارت في خطين متناغمين من اللغة القصصية البديعة والوقائع الموثقة.
وبمعنى أن الكاتبة نادية الغزي وظفت خيالها الروائي في خدمة الواقعة التاريخية لتخالف بذلك أغلب الذين كتبوا في القصة التاريخية كزيدان ومعلوف الذين وظفوا الأحداث لخدمة خيالهم وأفكارهم ووصلوا إلى درجة سلب الواقعة من سياقها التاريخي الصحيح.
تذهب نادية إلى أعماق التاريخ لتكشف الحياة السورية القديمة كاملة بتقاليدها الاجتماعية ونظمها القضائية ونهضتها العمرانية، وقائع تنصيب الملوك، ومن الواضح تعاطفها مع الأنثى بصورها القديمة الجديدة المضحية والمغتصبة والأرملة، لنجد أن معاناة المرأة في صورها المتعددة لم تتغير منذ خمسة آلاف سنة حتى الآن بالرغم من كل ما حققته البشرية من إنجازات تقنية وبرغم كل الادعاءات حول حرية المرأة وتحررها، ومظاهر تلميعها في الخطاب الإعلامي، يستوي في ذلك الشرق والغرب والمجتمعات المتقدمة والمتخلفة.
إن طريقة سرد الحكاية بحد ذاتها تحتاج إلى ناقد مختص بالنقد الأدبي ليحلل أسلوبها القائم على الانتقال السلس بين راوي الحكاية والشخصيات الأخرى، ثم إكمال الحكاية على لسان الكاتب ذاته، والانتقال بين وصف ينتمي إلى المدرسة الانطباعية، وبين مستند علمي لخيوط القصة ووصف العادات والتقاليد.
لنلاحظ مثلاً أن الكاتبة تضع في هوامش الصفحة الموقع المعاصر للمكان التاريخي الذي يعيش فيه أبطال الحكاية مثل يمحاض قرب حلب وكركميش قرب جرابلس، وتسرد ثبتا بالمراجع التاريخية من مجلات وكتب وصور لمؤرخين كبار أمثال الفرنسي جان مارغون، والإيطالي باولو ماتيه والسوري قاسم طوير وليوناردو كوتريل وغيرهم.
اللافت للانتباه أيضاً أنها تذكر تاريخ زمن الحكاية ومصدرها، مثلاً تذكر أن حكاية نساجة ماري حدثت في عام 1760 قبل الميلاد في عهد الملك زمري ليم ومذكورة في لوح طيني يحمل الرقم 253 في الترقيم الحديث للمكتشفات الأثرية.
كذلك قصة سن أرملة توت عنخ آمون التي تعود إلي عام 1337 قبل الميلاد وكتبت على ورق البردي واكتشفها الباحث هيجو ونكلر في حاتوشا عام 1906 العاصمة العسكرية للحيثيين، وكان ونكلر ذاته من الباحثين في كركميش شمال سورية.
أما قصة زائشة بنت النقاش الإيبلائية فتعود إلي عهد الملك ذوبوحو حدد في عام 2275 قبل الميلاد.
ونستطيع أن نكتشف بعد ما أوردناه أن فن القصة كان موجوداً في حضارتنا ومدوناً وما اكتشفناه ليس سوى بعض ما سجله الأجداد في مناطق واسعة من العالم في همجية وجهل بما فيها أوروبا القديمة قبل أن تمنحها الحضارة السورية الأبجدية والاسم، وقبل أن تقوم القوى الهمجية بتخريب وتدمير الممالك القديمة، كما فعل حمورابي عندما دمر مملكة ماري وأحرقها في عام 1758 قبل الميلاد.