أهمها وأكثرها مدعاة للانتباه ما صدر عن الإدارة الفرنسية التي تعتبر إحدى أهم الدول العالمية في إدارة الأزمة. فقد طورت باريس مواقفها لتعلن ضرورة إجراء مفاوضات سياسية وأن الحل العسكري لا يصلح لإنهاء الأزمة.
هذا الموقف الذي قوبل من جانب الولايات المتحدة بانتقادات لاذعة ربما يفتح الباب أمام مزيد من السجال بين الحلفاء الغربيين.
أربعة أشهر مرت ولاتزال العمليات العسكرية مستمرة في ليبيا، وعلى الرغم من التقدم الذي يحققه المحتجون وذلك على مستويين الأول يكمن في منع القوات الحكومية من استعادة المدن والمناطق التي يسيطرون عليها، والثاني زيادة رقعة الأراضي التي بحوزتهم، إلا أن التقييم النهائي المرتبط بفكرة توفير مقومات لحماية المدنيين وهو الهدف الأساسي المزعوم للعمليات العسكرية الجارية في ليبيا يحمل كثيراً من التساؤلات بشأن افتقاد الضمانات الكافية لتأمين حماية كاملة وحقيقية للمدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرة المحتجين.
وهل تستطيع القوات الحكومية الصمود لفترة أطول أمام هجمات الناتو؟ ما يظهر على الأرض يوضح أنها قادرة على الصمود والمواجهة لفترة زمنية طويلة.
في المقابل هناك محاولات عديدة من قبل المحتجين للسيطرة على مدينة الزاوية والتي تعتبر أكبر المدن غرب طرابلس، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى الآن ولم تستطع قوات المعارضة دخولها فعلياً.
ويحاول المحتجون ضمن استراتيجية معينة تطويق طرابلس العاصمة وفتح عدة جبهات حولها، في المقابل تحاول الحكومة التغلب على عملية التطويق التي يقوم بها المحتجون.
ومع ظهور بوادر حل سياسي لإنهاء الوضع والأزمة استناداً للطروحات والحل الأفريقي، ظهرت إشارات في الموقف الدولي الغربي وخاصة فرنسا بشأن ضرورة التعجيل بالحل السياسي التفاوضي والتأكيد على أنه الحل الناجح للأزمة.
لقد تبنت فرنسا رسمياً هذا الموقف بعد المحاولات التركية والروسية والصينية والاتحاد الأفريقي جاء ذلك على لسان وزير الدفاع جيرار لونجيه في حوار تلفزيوني مع قناة فرنسية حيث قال: إن الوقت قد حان ليتفاوض معارضو القذافي معه ويجب على المعارضين عدم انتظار هزيمة القذافي.
يشكل هذا التصريح الفرنسي نقلة نوعية في موقف باريس من مجريات الصراع الدائر على الأراضي الليبية لأن المواقف الفرنسية السابقة ومنذ بداية الأزمة كانت الأكثر تشدداً ومناوئة للقذافي.
من هنا يثير الموقف الفرنسي تساؤلات عديدة حول دوافعه وخلفياته بصفة خاصة، وما يمكن ذكره في هذا السياق أن باريس كانت طرفاً في المفاوضات التي جرت في الأيام الماضية بين المحتجين وممثلي القذافي إضافة إلى عواصم عربية أخرى استضافت المفاوضين بشكل مباشر وآخر غير مباشر ولم يعلن حتى الآن عن نتائج تلك المفاوضات، وفي هذه الحال ربما يكون التحول في الموقف الفرنسي مؤشراً واضحاً لقرب الكشف عن فحوى المفاوضات ونتائجها لاسيما أن موقف الطرفين يصب في اتجاه الاقتراب من الحل السياسي للأزمة.
إذاً يمكن اعتبار التحول الحاصل في موقف باريس أقرب إلى انعطاف ظاهر لتطورات ومشاورات واتصالات لم تكن ظاهرة رسمياً في الفترة الماضية تحاول باريس من خلال هذا التحول القيام بدور ما في المفاوضات وفي العمليات السياسية كما كانت في العمليات العسكرية التي نفذها حلف الناتو على الأراضي الليبية.
من هنا جاء الانتقاد الفرنسي لموقف المجلس الانتقالي الليبي الرافض لإجراء أي مفاوضات قبل تنحي القذافي.
من جهة أخرى يبدو أن هناك خلافاً واضحاً في المواقف الغربية التي تشير التقارير إلى عدم تأييدها للموقف الفرنسي، جاء ذلك واضحاً في تمسك الإدارة الأميركية بأن القذافي لا يمكن أن يبقى في السلطة ورغم ما شكل التحول في الموقف الفرنسي من خلافات علنية بين الحلفاء الغربيين إلا أن هذه الخلافات ليست جديدة لذا من المتوقع أن يتم تحجيم هذه الخلافات والتوصل إلى مواقف مشتركة تساعد على حل الأزمة، إضافة إلى أن هناك تحديات أمام الحلفاء الغربيين خاصة على المستويين الإنساني والاقتصادي في نطاق المحتجين والكيان السياسي الذي يمثلهم «المجلس الوطني الانتقالي» حيث لايزال يعاني نقص التمويل وعجز الموارد النقدية والعينية وربما سيشكل هذا الجانب حاجة ملحة وضرورية قد تدفعهم إلى تجاوز اختلاف الحسابات والتقديرات في الجوانب الأخرى للأزمة.