تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ثقافة الفساد وآثارها الخطيرة على المجتمع والسياسة والاقتصاد

شؤون سياسية
الجمعة 22-7-2011
بقلم: عماد خالد رحمة

تعتبر ثقافة الفساد إذا ما شاعت من اخطر ما يعانيه المجتمع من أمراض، ذلك لاعتبار الفساد مفتاح السر في الخراب الحقيقي للبنية النفسية والأخلاقية لأفراد المجتمع . والتي تنعكس سلبا على أدائه الاقتصادي والسياسي وحتى الإنساني. حيث يعتبر أفراد المجتمع إذا ما أصيبوا بهذا الداء التعامل ( بالرشوة ) أمرا طبيعيا.

كما يمكن للمفسدين والفاسدين ممارسة الفساد دون أدنى شعور بالخجل أو الخوف من اختراق للنظم والقوانين التي تنظم عمل المؤسسات والإدارات والوزارات وحتى الأفراد، بل يعتبرها من يمارسها بأنها حق أو أنها اقتسام للمغانم .كما أن الموظفين الفاسدين من ذوي الأجور المنخفضة ، قد يعتبرون( الرشوة) بمثابة صدقة من القادر على الدفع إلى المحتاج ، وهذا الأمر في غاية القبح لأنه تبرير واهٍ . إن انتشار هذه الثقافة في مجتمعاتنا له انعكاسات خطيرة على بنية وعقلية ونفسية أبناء المجتمع الذي نعيش فيه ، كما ينعكس سلبا على علاقات الأفراد فيما بينهم.‏

إضافة إلى أن ثقافة الفساد إذا ما انتشرت بشكلها المخيف والمرعب بين أفراد المجتمع فإنها تفقد ثقة الناس فيما بينهم ، كما يظهر ضعف الدولة تجاه الخارج. وبالتالي يكون هذا انعكاساً لهشاشة الوضع الداخلي وتفسخه . فضلا عن النتائج السياسية والاقتصادية والأخلاقية والإنسانية القاسية لكل ذلك . أما الاحتكار فهو أصل الفساد في الحياة الاجتماعية. فحين يقع الاحتكار تنحرف الحياة والمجتمعات الإنسانية عن القواعد الطبيعية، وتنشأ الطبقات والطبقية ويتفشى الظلم الاجتماعي وتختفي القيم والقواعد التي كانت سائدة ، وتحل محلها قيم طبقية جديدة تحتقر الضعيف والفقير وتعتبرهما فاشلين وغير جديرين بالحياة، وتصبح القوة والقوة الاقتصادية هي القيمة الوحيدة التي تحوز التقدير والثناء والإعجاب. عندها يصبح الضعيف على استعداد لأن يعمل أي شيء من أجل امتلاك القوة والقوة الاقتصادية بالذات ليحوز الإعجاب والتقدير بغض النظر عن نبل الوسيلة، ثم إن أولئك الذين هم في أعلى الهرم الاجتماعي من الفاسدين سيكونون على استعداد لعمل أي شيء من أجل البقاء في القمة ودون الأخذ في الاعتبار نبل الوسيلة أيضا، وحين ينقسم المحتكرون إلى محتكرين للسلطة ومحتكرين للثروة يسعى محتكرو الثروة إلى إفساد ذمم محتكري السلطة من اجل بقائهم في أعلى الهرم الاجتماعي ويستمريء محتكرو السلطة ذلك النمط من الفساد والإفساد ليحافظوا على بقائهم في أعلى هرم السلطة. حيث إن الفساد يفضي إلى نتائج سياسية واقتصادية في غاية الخطورة ، فهو يؤدي إلى الانخفاض في مستوى الأداء الحكومي ، ويشيع أجواء من عدم الثقة وينشر الإحساس بالظلم ، وتاليا إلى تقويض الشرعية السياسية للدولة . ويترافق الفساد مع تشوهات يخلقها المسؤولون أنفسهم من اجل الحصول على ريع الفساد الذي يؤدي إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي وبالتنمية الاجتماعية ،ويتبدى كل ذلك في العقود التي تجريها الدولة مع الشركات والمقاولين والتي تحمل في طياتها ألاعيب الغش والتدليس ، هذا إذا وضعنا جانبا عمليات النهب للمال العام الناتج عن إجراءات الخصخصة .‏

النتيجة السياسية الأولى للفساد هي التسبب في إضعاف الدولة وهيبتها، عند ذاك تتهاوى الرقابة والمتابعة وينتشر جو الفساد، أما الحكم على مدى قوة أو ضعف الدولة فيمكن ملاحظته: أولاً من مدى الغموض أو الشفافية في معاملات الدولة الاقتصادية. وثانيا في مدى اتباع الإجراءات والنظم الموضوعة في التعيينات .وثالثا في قصور أو فاعلية أجهزة الرقابة . وقد أوضحت دراسة قدمها كل من ( راوخ وايفانز) انه كلما كانت التعيينات والوظائف تعتمد بصورة اقل على الجدارة والكفاءة انخفضت شفافية تشغيل الأفراد وترقياتهم ، ودخلت بدلا منها المحاباة والمجاملات وزادت معدلات الفساد ،وانخفضت من ناحية أخرى الرقابة المؤسسية ، وانخفض بسببها احتمال الوقوع في قبضة العدالة في ظل وجود الحكومة الضعيفة . إن انتشار الفساد لا يؤدي إلى إضعاف موقف الدولة في الداخل فقط ، بل إلى إضعاف موقفها الخارجي أيضا . ففي الداخل يعزف أصحاب الكفاءات العالية من الشرفاء عن وظائف الدولة ويتهافت عليها الطامحون ذوو الضمائر العفنة الذين لا يضيرهم التفريط بمصالح الوطن ، ويؤدي كل ذلك إلى انخفاض مستوى الأداء الحكومي، والى تراجع الإنتاجية . ومن المفارقات اللافتة أن هناك من يرى أن للفساد نتائج ايجابية وذلك من خلال تجاوز الروتين الحكومي الذي يؤخر المعاملات ، ويؤدي إلى إضاعة وقت ثمين كان يمكن استغلاله بالتعجيل بانجاز المشاريع ،وبالتالي فان الفساد يمكن أن يكون محركا للنشاط الاقتصادي ، ولكن هذه الحجة هي حجة زائفة لأنها تأتي لتبرير حالة شاذة وعمل لا أخلاقي وخارج إطار القوانين الناظمة المعمول بها في الدولة . لذلك يجدر بنا أن نلاحظ أن القيود الحكومية الزائدة هي حالات يمكن معالجتها من خلال تحديث وتطوير الأنظمة والقوانين والتشريعات ، أما حالات التأجيل والتسويف فهي غالبا ما تنتج عن ممارسات صنعها الفاسدون أنفسهم للحصول على الرشاوى . أما المقولة الخاطئة الأخرى فهي التي تقول بان أموال الفساد يمكن لها أن تستخدم في الاستهلاك أو حتى في الاستثمار وبذلك يمكن لها أن تساهم في عملية التنمية . ونحن نقول بأن تلك المقولة خاطئة كلياً ، لان المرتشين يطلبون من الشركات بوضع عمولاتهم في حسابات خاصة في الخارج . أما ما ينفق في الداخل فلا يعدو كونه إلا استهلاكاً تفاخرياً وتبذيراً. وتسهم أموال الفساد في إفساد أعمال أعداد كبيرة من السكان، وفي إشاعة عادات الاستهلاك غير المنتج . أما المثل الواضح على ذلك فنجده في القارة الإفريقية التي تعد من أغنى قارات العالم ولكن مع وجود الفساد وانتشاره ، أصبح سكانها يعيشون في حالة من الفقر المدقع .‏

حيث يؤدي الفساد إلى انخفاض الإيرادات العامة ويزيد من النفقات ، ويمكن ملاحظة ذلك في حالة التهرب من دفع الضرائب ومن زيادة الوقت في تنفيذ المشاريع .‏

إن انتشار ثقافة الفساد لها تأثير كبير على البنى النفسية والأخلاقية لأبناء المجتمع حيث تتجلى مظاهر البذخ والترف المفرط للمفسدين والفاسدين مما يؤدي إلى التعالي على الغير والانتقاص من الآخرين، وهذا يولد حقدا داخليا عميقا بين أفراد المجتمع ، كما يشعر المواطن الفقير بأنه أدنى مرتبة اجتماعية وحتى إنسانية من خلال امتثاله لتلبية طلبات المفسدين الخدمية .والتي يمكن أن يكون مردودها أحيانا أعلى من راتبه الأساسي الذي يتقاضاه . وهذا ما يؤهل البعض منهم نفسيا للتعامل مع الفاسدين والمفسدين بدرجة اكبر . حيث إن مجمل العملية تؤدي إلى تفسخ المجتمع وانهياره من الداخل مع الإشارة إلى أن الدين الإسلامي والمسيحي قد حضا على رفض الفساد ومحاربة المفسدين.وكذلك الأخلاق العربية الأصيلة نبذت كل أشكال الفساد والاستغلال والاحتكار والتسلط .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية