أولى هذه العجائب أن من نخروا عظامنا بالدعوة إلى ضبط النفس وعدم استخدام العنف أمام ما أسموها بالتظاهرات السلمية، والتي جعلوا عنوانها العريض «الشعب يريد» واستمروا في لعبتهم هذه شهوراً طويلة رافضين رؤية الواقع على حقيقته، انهارت أعصابهم أمام أول تظاهرة سلمية استهدفت السفارتين الأميركية والفرنسية بعد أن قام السفيران باستفزاز الشعب السوري، فإذا بحراس السفارتين يلجؤون إلى استخدام الرصاص والعنف ضد المتظاهرين السلميين، والأغرب أنهم احتجوا أيضاً لأن قوات الأمن السورية تأخرت (في نظرهم) في التدخل لتفريق المتظاهرين السلميين وقمعهم.
وبذلك يكون الأميركيون والفرنسيون قد سجلوا على أنفسهم عجيبة لم نتوقعها منهم قط، بعد كل التجييش الدعائي الذي مارسوه وتستحق أن يسجلها التاريخ، وهي في الواقع عجيبة مزدوجة، فعدا عن استخدامهم هم للعنف غير المبرر ضد المتظاهرين السوريين السلميين بعد أن جعلونا نعتقد أنهم يحرمون هذا الأسلوب تحريماً مطلقاً باعتباره حلاً أمنياً مرفوضاً - إذا هم وعلى عينك يا تاجر - يطالبون بالحل الأمني خشية أن يصل البلل إلى ذقونهم.
وللعلم فإن الجماهير المتظاهرة المعنية هي جماهير عربية سورية، والذي طولب بالحل الأمني هو الأمن السوري، فأمام أول اختبار على الأرض بدا واضحاً أن كلام الليل مدهون بزبدة، وأن كل المواقف التي سوقوها لحساب إثارة الفتنة وإدارتها لم تصمد أمام هتافات الجماهير السلمية السورية التي استفزها عدوان السفيرين على الحرية.
العجيبة الثالثة التي جرى تسجيلها أنه ثبت بالدليل والبرهان أن السفارتين ليستا آخر من يعلن بماتقوله وسائل الإعلام السورية الرسمية منها وغير الرسمية فهما تتابعان كل ما يقال أولاً بأول لكن ما يهمهما فقط هو أمنهما ومصالحهما ومآل المؤامرة التي يسهمان في إدارتها، والدليل أنهم ضبطوا ميلاً إعلامياً خلال حوار على قناة الدنيا غير الرسمية يناشد الشباب أن يلقنوا السفير الأميركي درساً، فادعوا أن هذا تحريض،وأن مصدره التلفزيون الرسمي وبذلك ضبطوا إعلامنا متلبساً بتهمة التحريض ضدهم وهي مخالفة عجائبية، فالتحريض الذي تمارسه فضائياتهم والفضائيات التابعة لهم على مدى الأشهر الأربعة الماضية ومازالت تمارسه بكل عنف ودون انقطاع هو إعلام مشروع، وكل ماواكبه من أكاذيب وأخبار مختلقة لم يصنف عندهم في بند التحريض، وحتى زيارة السفيرين إلى حماة بهدف التحريض أنكروا أن تكون غايتها التحريض، فقط تمثلت الأعجوبة في محرض سوري، قناة خاصة سورية صارت في نظرهم رسمية، فحق أن يحتسب هذا التحريض ضمن العجائب.
الأعجوبة الثالثة أن وزارة الخارجية الفرنسية حاولت أن تتصرف في مواجهة سورية على طريقة «تغدى فيهم قبل مايتعشوا فيك» فاستدعت السفيرة السورية في باريس لتحتج على الاحتجاج السوري الذي أبلغ للسفير الفرنسي على مخالفة السفير الفرنسي بذهابه إلى حماة دون إذن، معتبرة أن هذا الاحتجاج هو في حد ذاته تحريض وكأنه لايصح لوزارة الخارجية أن تحتج على مخالفة يرتكبها السفير.
وكان واضحاً أنها تحاول بهذا الأسلوب أن تثبط حالة الاحتجاج في صفوف الجماهير السورية، وأن تضغط على السلطات السورية لتطويقها ولكن الأهم أنها تحاول الدفاع عن هذه الحرية رغم ادعاءات الغرب أنه حريص على نداءات الحرية.
الأعجوبة الرابعة كان مسرحها ليبيا فجأة بعد أن هدد العقيد معمر القذافي بنقل المعركة مع حلف الناتو إلى البر الأوروبي أعلنت إيطاليا أنها قررت نفض يدها من المشاركة في العمليات الحربية، لكن فرنسا أبدت إصراراً على المتابعة في اليوم الأول، أما اليوم الثاني فغيرت موقفها وأعلنت أن الحل لن يكون إلا سياسياً، بل جرى الكشف عن وجود اتصالات تتم سراً.
وقد جاء ذلك في أعقاب نشر نبأ الانفجار الكبير في قاعدة عسكرية بحرية جنوب قبرص لم يشأ الغرب الامبريالي أن يدع التفاصيل حول أحوالها لكن القول إنه كانت فيها صواريخ إيرانية مصادرة ومحتجزة فيه، إشارة إلى عملية قرصنة مارستها سفن حربية لحلف الناتو في أعقاب حرب تموز عام2006 على لبنان، ما يعني أن تلك القاعدة تابعة لحلف الأطلسي، وماأثبته هذا السلوك عملياً هو أن قادة الغرب الامبريالي يخشون ولكن لا يختشون.
الأعجوبة الخامسة أن وزير دفاع إدارة السيد باراك أوباما وصل إلى العراق ليسعى وراء تمديد وجود القوات الأميركية في العراق إلى العام 2016 بعد أن كان قد أجرى إبرام اتفاق مع العراق على إنهائه في العام الحالي2011م ؟
الأعجوبة السادسة أن أميركا قررت معاقبة باكستان على خدماتها اللامحدودة للأميركيين في الحرب ضد طالبان وضد الإرهاب بوقف أو تخفيض المساعدات المقدمة إلى باكستان.
أما الأعجوبة السابعة وأم العجائب،فقد تمثلت بقيام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بتنصيب باراك أوباما امبراطوراً للعالم، دون أن يمنحه الشعب الأميركي وإلى جانبه كل شعوب الأرض هذه الصفة.
لقد كشفت كلينتون الدور الأميركي في إثارة الفتنة بشكل لايقبل الجدل.
حين ننظر إلى مثل هذه العجائب رغم أهميتها في سياق الأحداث السياسية الجارية نكتشف كم هي تافهة بالمقارنة مع العجائب السبع المشهورة التي صنعتها حضاراتنا الشرقية.