وعلى هذه الأرض سار عظماء التاريخ منذ ما قبل الميلاد إلى عصرنا الحاضر، ولم تنجب أرض من الأسماء التاريخية الكبيرة ما أنجبته أرض الشام، وصفحات التاريخ حافلة بأمجادهم وآثارهم وهي تغنينا عن تعدادهم.
وقد أنصف الشام ابنها نزار قباني وأعطاها حقها عندما قال فيها:
يا شام، يا شامة الدنيا، ووردتها
يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا
وإذا عدنا إلى اللغة نكتشف جمال بلاد الشام، وأنها اسم على مسمى.
يقول ابن الأعرابي:والشامة علامة مخالفة لسائر اللون والجمع شامات وشام، و الشامة الناقة السوداء وجمعها شام والشيم الإبل السود.
ويقول الجوهري: الشام جمع شامة وهي الخال.
وذكر ابن الأثير:الشامة في شأم بالهمز، ومثله ما قاله نفطويه: شأمة بالهمز.
وفي الحديث: حتى تكونوا كأنكم شأمة في الناس.
وقالوا في تفسيره: الشأمة الخال في الجسد معروفة، أراد كونوا في أحسن زي وهيئة حتى تظهروا للناس وينظروا إليكم كما تظهر الشأمة وينظر إليها دون باقي الجسد.
وذكر بعضهم أن (الشام) هو السحاب والبرق شيما نظر إليه أين يقصد وأين يمطر وقيل هو النظر إليهما من بعيد.
إن هذه الأقوال اللغوية تؤكد أن اسم الشام مأخوذ من الحسن والتميز على باقي بقاع الأرض، وفيها الخير أرضا وقوما وعلما وبنيانا.
وذكروا أن شام وهو تسهيل للشأم بالهمز، فأصله من الجذر شأم الذي يعني أصلا جهة اليسار، ومن هذا المعنى اشتق المعنى، ونقيضه الجذر يمن الذي يعني جهة اليمين، فبلاد الشام هي نقيض بلاد اليمن في الاتجاه والاسم.
وقد وردت أقوال أخرى في أصل التسمية منها لأن أرضها شاماتٌ بيض وحمر وسود.
وجاء ذكر الشام في مؤلفات الجغرافيين العرب وفي المعاجم التي تحدثت عن البلدان والأمصار .
فقد جاء في كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار: الشام مهموز الألف ولا يهمز، في الإقليم الخامس، قيل سمي شاماً لشامات هناك حمر وسود.
وينكر الحميري صاحب الروض المعطار نسبتها إلى سام بن نوح فيقول:ولم يدخلها سام بن نوح قط، فانه قال بعض الناس: إنه أول من اختطها فسميت به، واسمه سام بالسين، فعربت فقيل: شام، بالشين المعجمة.
ثم يتحدث عن أقسام بلاد الشام فيذكر أن الشام بلاد كثيرة وكور عظيمة وممالك، وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام: الأول فلسطين وفيها غزة والرملة، والشام الثانية مدينتها العظمى طبرية والغور واليرموك، والثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق، ومن سواحلها طرابلس الشام، والرابعة أرض حمص وقنسرين ومدينتها العظمى حلب وساحلها إنطاكية، وأول طول الشام من ملطية إلى رفح.
ويتحدث ياقوت الحموي في معجم البلدان عن حدود بلاد الشام فيقول:
وأما حدها يعني الشام فمن الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية، وعرضها فمن جبلي طيء من نحو القبلة إلى بحر الروم، وما بشأمة ذلك من البلاد.
وبها من أمات المدن: منبج وحلب وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة، وفي الساحل إنطاكية وطرابلس وعكا وصور وعسقلان.
وقد عرفت هذه الأرض باسم الشام عند العرب، وظلت تعرف بهذا الاسم بعد تحريرها من الروم.
وبعد فترة من الحكم العثماني أطلق على (دمشق اسم شام شريف) تقدسياً لهذه المدينة كما أطلق على بيت المقدس (قدس شريف)، لكن ظل في المفهوم الشائع لدى معظم الناس أن بلاد الشام تشمل المنطقة التي تضم اليوم سورية وفلسطين والأردن ولبنان.
ومع حلول القرن التاسع عشر كان اسم سورية يطلق على الأقاليم العثمانية التالية حسب تقسيمات عام 1877 وهي ولاية حلب، ولاية الشام دمشق، ولاية بيروت، متصرفية جبل لبنان، متصرفية القدس الشريف
وترافق تصاعد استخدام مصطلح سورية مع تضيق معنى مصطلح الشام الذي اقتصر على دمشق وما جاورها فقط، وما زال هذا الفرق باقياً في كلام أهل الشام إلى اليوم، حيث إن الشامي هو الدمشقي .
وبقي الاستخدام الرسمي لاسم الشام على مدينة دمشق في سجلات الأحوال المدنية حتى الخمسينيات، حيث كان يدون مواليد مدينة دمشق باسم الشام.
ومشهود للشام بالبركة في عدة أحاديث، منها: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا.
وفي حديث آخر:
إنكم ستجدون أجنادا، جندا بالشام ومصر والعراق واليمن، قالوا: فخِر لنا يا رسول الله! قال: عليكم بالشام، قالوا: إنا أصحاب ماشية ولا نطيق الشام، قال: فمن لم يطق الشام فليلحق بيمنه، فإن الله قد تكفل لي بالشام.