تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أحوال القرى السورية

مجتمع
الجمعة 22-7-2011
الدكتور: أحمد منير قدسي

القرية ضمن خيال الأدباء والفنانين، واحة الجمال والطيب، وموطن الطمأنينة والبساطة في جميع أشكالها، بحيث يشتاق المرء للاقتراب منها، ومداعبتها ولكن كل هذا ضمن مجال الخيال فقط.

أما الواقع، فهو على نقيض ذلك! فإذا تجولنا في أي بقعة من بلدنا الحبيب، نجد مايقال عنه قرية والواقع مجرد ركام عشوائي لاطابع له ولا أصول.‏

فمن الناحية السكانية، فإن القرية هي المغذى الأساسي بالبشر، ومن فيض ولاداتها تعطي المدينة ما تحتاج من أعداده تسد نقص الولادات فيها، وتعدل هيكلها البشري.‏

أما من الناحية الاجتماعية، فإن القرية مجال إنتاج قوت الإنسان لذا فإن جل سكانها، وأغلبهم يعيشون من الزراعة والرعي والعطاء لديهم شيء طبيعي، حيث يتجلى في كرمهم وضيافتهم وطريقة التعامل فيما بينهم وفيما بين الغرباء عنهم، ولن نتطرق إلى التفاصيل الاجتماعية السائدة لديهم، إنما هذه النظرة الخاطفة تعطي مجالاً للتمعن بحالهم من تعب وجهد.‏

من ذلك، فإن اقتصاد القرية مرهون على الجهد العضلي أولاً ومن الجلد ثانية فإن موردهم من الأرض عائد لحجم الأسرة لديهم، فعندما تكون الأسرة كبيرة، يكون إنتاجها أوفر، ولكن الاستهلاك لديهم يبقى ثابتاً ومتدنياً رغم أن إنتاجهم يعتبر أساسياً في موارد الدولة، وهذا الاستهلاك، من سلع غذائية ومستلزمات اللباس والأثاث يبقى في أدنى الحدود، أو في حالة الشح أغلب الأحيان.‏

لاشك أن لدى القرية بعض الميسورين، ولكن عددهم بسيط واستهلاكهم لايختلف عن الآخرين.‏

لذلك، علينا أن نسأل عن مستورداتهم، والتي تأتيهم من المدينة طبعاً فإذا تمعنا فيها، وجدنا أنها من أبشع السلع، إن كانت من الأغذية أو اللباس أو المتاع، أما مايحتاجونه لزراعتهم وتربية مواشيهم، فإنها مستوردة من خارج البلاد، وجلها بالقطع النادر إن كان للآليات أو البذور أو المبيدات إلى آخره أي جميعها باهظة الثمن.‏

من هنا، نجد أن إنتاج القرية يحتاج إلى تكاليف عالية ولا يترك لديهم إلا اليسير لقوتهم ولباسهم، أضف لما تتطلبة الأمور الصحية من علاج وأدوية ليستمروا على قيد الحياة، وهنا لاأتطرق للصحة أو التعليم أو الثقافة، بل أدعها للتقدير والاستشفاف فقط!.‏

إذاً، أين القرية؟ وهل لها وجود فعلي؟ أم إن مانراه من كتل سكانية تشوه طبيعة بلدنا الحلوة؟ والواقع، أن للقرية هيكلاً يجب احترامه، ويحتاج للدراسة والبحث العمراني الفعلي.‏

لنسأل عن القرى القديمة، ونجد أنها اندثرت، ولم يبقَ منها إلا الركام وسكانها تبعثروا في جميع أصقاع المعمورة، وعاداتها وتقاليدها أصبحت ملغية الذكر، ومن تبقى منها، من بشر ومحاصيل فإن كلاهما مهدد.‏

أتسأل! لما لا نجد في أرجاء بلدنا أي قرية تنال الشروط اللازمة لتنال المدلول القروي؟ ولما يعاني من يقال عنهم قرويون من الحرمان والعبث والإهمال؟ هذا السؤال لايمكن طرحه على هذه الفئة من سكان الدولة، إذ من البديهي فقدانهم للناحية العلمية.‏

ويبقى على المؤسسات المسؤولة في المدن أن ترد على هذا الموضوع وإذا سألنا عن هذه المؤسسات فأين نجدها؟.‏

لقد كانت هناك وزارة اسمها وزارة الشؤون البلدية والقروية، ولكن للأسف ذهب المدلول، أي المدن والقرى وجاء مكانها: وزارة الإدارة المحلية! أي أن تكون البلاد تحت رحمة الإداري ودون التطلع إلى نطاق المدينة أو القرية، أي الانغلاق الكامل.‏

أشرت أعلاه عن البحث العمراني، وأخص هنا القرية فقط، فكيف نعالج ذلك حالياً؟ طبعاً الموضوع يرتكز على أشخاص وظفوا ليملؤوا فراغ منصب فقط! وبذلك تكون النتيجة على الصورة التي تحل بقرانا حالياً.‏

يقال إن هناك مخططاً تنظيمياً للقرى، ولكن ماهو محتوى هذا المخطط؟ إنه عبارة عن تثبيت للأمر الواقع على مخطط، أضف إلى أسس لاحاجة للقرية بها! وعلى سبيل المثال، نجد شوارع بعرض كبير، ولا يسمح بالبناء حولها إلا لطابقين فقط! إذاً، لما هذا العرض الكبير؟ هل للهدر فقط، أم لتوسيع المساحات الجرداء في القرية، أضف لنتائجها المؤسفة؟ هذا مثل بسيط، إذ حين نجد القرية محرومة من مركز إداري أواقتصادي أوترفيهي، وغيره، نقع في دوامة السؤال عن مهمة المخطط التنظيمي، وما يراد منه!.‏

هنا يجب التطرق للناحية الجمالية، وربما يقال لي إن سكان القرى ليسوا بحاجة لذلك! أي إن انغماس القرية في أحضان الطبيعة يجعلها جميلة بشكل تلقائي! ولكن كما أسبقت، فإن القرية عبارة عن نتائج عبث البشر بالطبيعة، ما جعلها مشوهة، ولاتمت لأصول معاملة الطبيعة بأي شكل كان.‏

المدينة لاتقدم جمالاً بطبيعة الدولة، وبكونها كتلة ضخمة، فإنها تنحصر على مواقع امتداد متفاوت، أي حين ندخل المدينة تتلاشى الطبيعة، بينما تشكل القرية تزييناً للدولة، بحيث نراها مغموسة ضمن الطبيعة، وكما أنها بشكل عام، صغيرة الحجم، وأعدادها أكبر من أعداد المدن، وانتشارها على كامل مساحة البلاد، فإن الناظر يرى القرى ولايرى المدن.‏

ليس جديداً حين نقول: إن جمال القرية هو معيار لتقدم الدولة، فإذا نظرنا إلى الدولة المتقدمة، وجدنا قراها بأحلى حلة، وحيثما ذهبت، وجدت العنصر الجمالي موجوداً لدى القرية، أضف لما يشجعون به من تزيين القرى، والمسابقات التي تجري لاختيار أجمل قرية مزهرة، ولما يقدم بها من احتفالات موسمية لتعطيها حركة ونعومة.‏

ضمن كتابة موجزة، لايمكن إيفاء حق القرية، وهذا الموضوع يحتاج لدراسات متعمقة لإيصال الفكرة جدياً، أما إذا سألنا أهل القرى عن تقاعسهم في معالجة أمور قراهم، يجيبون ببساطة عن ضعف إمكانياتهم العملية.‏

إذ من ينال دراسة عالية يذهب للمدينة، ولايبقى في القرية سوى الكادح.‏

وهنا، يجب أن نشير وبشكل جدي، أن القرية مازالت تعيش مع الجن والشعوذة والحجب، وماشابه، فكيف إذاً نتنبه إلى أمور العمارة والعمران والتقنيات المتقدمة!.‏

لاشك أن الدولة تعطي أوامر للقرى، ولكن هيهات أن يسمع لها إذ إن القرية تعتبر الدولة عدواً لها ومنغصاً لحالها، والواقع أن من يعيش في القرى، لايعرف حقوقه وواجباته من الدولة، المهم أن الدولة تعتبر لديهم مصدر افتقار فقط، فكيف لهم أن يقدموا مافوق طاقتهم! وهكذا نجد استحالة الاعتماد على أهل القرية ذاتهم، ويبقى الدور للدولة فقط.‏

خلاصة: يجب إيجاد أنموذج عمراني ومعماري عملي للقرية، بحيث يعيد لها مكانتها ويرد على حاجياتها، ومن ثم تعميم هذه النماذج وإزالة القرى القائمة، بالطبع هذا الاقتراح يكلف الدولة أموالاً طائلة، ويحتاج إلى خبرات معمقة، وهنا تكون النتيجة إيجابية في تقدم القرى.‏

أما إذا حاولنا معالجة الموضوع على شكل ترميم، فإن واقع وهيكل أساس القرية خاطئ، ولايمكن الاستفادة منه بشيء، أما إذا ترك الحبل على الغارب واستمر تراكم الأخطاء، فإن النتائج المستقبلية لاتبشر بخير بل ستزيد الدولة أعباء تراكمية لايعرف عقباها!.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية