منذ خمسينيات القرن الماضي علق لبنان آمالاً على تقارير ودراسات متصلة بنفط وغاز على شواطئه وبحره الاقليمي ومنطقته الاقتصادية الخالصة، وفجأة ما كانت ملفات هذا الموضوع تغلق من دون سبب واضح أو مقنع، وفي الوقت نفسه كان يعاد إحياء هذه الملفات بين فترة وفترة، وخاصة عند ازدهار مشاريع السلام في المنطقة، كأن ثمة ربطاً مباشراً بين امكانية استغلال موارده ومشاريع التسوية التذكيرية.
لكن المشكلة ليست فقط في الظروف الموضوعية التي تحيط بلبنان رغم ضخامة حجمها ومؤثراتها، إذ إن التجاذب الداخلي اللبناني الذي يصل في كثير من الأحيان الى حالات صدامية، امتد في هذه الأثناء إلى ملفات ومواضيع تطال بنيانه وكيانه من بينها النفط والغاز المكتشف في شرقي البحر المتوسط والذي تتشارك فيه أكثر من دولة من بينها لبنان.
تشابك وتداخل حقول النفط والغاز البحرية، يشكلان عقبة اضافية للبنان، لجهة تهيئة البيئة القانونية والسياسية لاستغلال هذه الموارد، علاوة على ايجاد البيئة الخارجية لتحقيق ذلك، وسط قراءة «اسرائيلية» تبدو شديدة الوضوح لجهة عرقلة استفادة لبنان من موارده، بل وصولاً إلى نفي أحقية لبنان في ذلك على قاعدة الحدود البحرية التي أقامتها «اسرائيل» من جهة واحدة، وفي طليعتها مع قبرص اليونانية، ومد اليد على مناطق بحرية لبنانية ذات صلة بهذه الموارد. فـ «اسرائيل» بدأت ترتيب ملفاتها عملياً وبشكل تنفيذي منذ عام 2002 لجهة ترسيم حدودها البحرية بمعزل عن لبنان، كما استفادت من ملفات الدراسات وصولاً إلى بدء التنقيب وهي قاب قوسين أو أدنى من بدء الانتاج الفعلي.
الدراسات السابقة بمجملها تشير إلى أن لبنان يملك بحكم طبيعته الجيولوجية مخزوناً نفطياً، في أراضيه كما في مياهه الاقليمية، ومعروف أن التنقيب عن النفط بالمعنى السائد، بدأ في مرحلة حمى النفط في منطقة شبه الجزيرة العربية والتي طالت على ما يبدو كل مناطق شبه الجزيرة. وفي هذا السياق ابتدأت الدراسات الفعلية في أواسط الأربعينات ولاسيما وأن استخراج النفط كان قد بدأ فعلياً في أواخر الثلاثينات. وقد حفرت الآبار الأولى (والأخيرة) في لبنان ما بين أواسط الأربعينات وحتى عام 1955، وتم في هذه المرحلة حفر سبع آبار عميقة، إلا أن هذه الآبار وإن أعطت بعض الدلائل النفطية غير أنها كما يبدو لم تكن منتجة.
في الندوة الأخيرة التي نظمها المجلس الوطني للبحوث العلمية بعنوان «الحملة البحرية للتنقيب عن المواد النفطية» الذي تولته شركة«بي جي اس» النروجية، المتعاقدة مع وزارة الطاقة والمياه لسبع سنين، كشفت أن المواد النفطية اللبنانية تجتذب الشركات النفطية بشكل واسع. كذلك تم مسح 700 كم مربع، على عمق 1000-1500 متر ، من 4 إلى 13 آذار 2007. وبحسب الدراسة تم التوصل إلى وجود كميات من النفط في المياه الساحلية الشمالية اللبنانية الممتدة من البترون وصولاً إلى صيدا.
يصعب الخوض في حجم الإنتاج المتوقع إذا افترضنا، فعلاً أن لبنان يتجه وهو في اعتقادنا كذلك في طريق انتاج أصناف نفطية مستقبلاً، ورغم ذلك يمكن الاستناد في التحليل إلى بعض المبادىء المؤيدة في العلم والمراقبة:
1- إن لبنان دخل، فعلاً، دائرة الترشيح للانتاج وإن الخطوات اللاحقة تقرر، سلباً أو إيجاباً وفق عمليات الاستكشاف والتنقيب الحقلية التي لابدّ آتية.
2- إن الانتاج المتوقع، نظرياً حتى الآن، لايجوز أن يقتصر على النفط الخام، بل إن ثمة أدلة ، قد تكون أكثر جدية بل هي كذلك على احتمال وجود ثروة من الغاز الطبيعي في لبنان، وتشرح دوائر حكومية، استناداً إلى تقارير خبراء، أن تكون هذه الثروة ملموسة خصوصاً أن الخط الذي تجري مراقبته في المياه الاقليمية يمتد حتى الساحل المصري حيث اكتشف الغاز بكميات تجارية فعلاً.
3- إن الانتاج، إذا تأكد وجود كميات تجارية فعلاً، لن يتم قريباً جداً، ويتفق عموماً على أن الهامش التقني الضروري بين تأكد وجود كميات وبدء الانتاج يمكن أن يمتد بين سنتين وثلاث سنوات.
ثمة شائعات سرت منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي، مفادها أن أياً من الدول والأزمات المتلاحقة على لبنان لم تتمكن من تطويعه لقبول حلول لمشكلات اقليمية، وبنظر هذه الدول نفسها، إن التطويع المفترض قابل للتحقيق من بوابة المال والاقتصاد الذي يتغنى به اللبنانيون، عبر اغراقه بالديون وفرض الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بالصراع العربي-«الاسرائيلي» وفي طليعتها التوطين. وأيضاً ثمة من ربط ويربط بين السماح باستغلال موارده وموافقته على مجمل ملفات المنطقة.