والفنان التشكيلي وهو الشاعر الأشهر على مدى تاريخ الشعر حصل على جائزة نوبل عام 1913 وكان عمره اثنين وخمسين عاما (متجاوزاً الروائي العظيم ليوتولستوي الذي كان في قائمة المرشحين للجائزة) وكان قد نشر في الفترة من 1908 إلى 1912 م أهم أعماله باللغة البنغالية وهي:
جيتانجالي أو (القربان الشعري) وروايته الشهيرة (جورا) ومسرحية واحدة هي: (كتب البريد) بالإضافة إلى صفحات من مذكراته.
كتب نشيدين وطنيين لدولتين انفصلتا عن بعضهما وجاورتا بعضهما وهما الهند وبنغلاديش.
ولادته
ولد طاغور عام 1861 في القسم البنغالي من مدينة كالكتا وتلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه ديبندرانات درس طاغور اللغة السنسكريتية لغته الأم وآدابها واللغة الانكليزية وتعرف من خلالها على آداب أوروبا وكان في شبابه الأول شديد الانشغال بأمور وطنه الأصلي- البنغال- مهتماً بكل ما يتصل بنهضته كما كان في نفس الوقت متسرباً من الإنكليز وقد تميز طاغور بين أشقائه وأبناء عمومته باستقلالية الرأي والشجاعة في اتخاذ المواقف الحاسمة في الأوقات الحرجة وقد ظهر ذلك فيما بعد في كثير من كتاباته وفي حياته العامة ومن أمثلة ذلك موقفه الواضح والمحدد من بعض مظاهر الوثنية في الطقوس الخاصة بطائفة البراهمة التي كان يرتدي وشاحها المقدس وينشد تراتيلها.
بدأ طاغور ينظم الشعر في الثامنة من عمره وفي الحادية عشرة من عمره رافق طاغور أباه في رحلة إلى جبال الهمالايا حيث كانت لهما وقفة طويلة في منطقة بغرب البنغال تسمى شانتينيكتان وهي الناحية التي أنشأ فيها الابن فيما بعد عام 1918 مؤسسته التعليمية المعروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالمي وفي تلك الرحلة التأملية بالهمالايا غرس الأب في نفس ابنه المفاهيم البنغالية التقليدية وحرك في نفسه القيم الروحية ونمى فيه نزعة استقلال الذات والاعتماد على النفس فقد كان يتركه وحيداً في جولات طويلة يجوب فيها مسالك تلك الجبال الخطرة.
وأراد المهاراج دافدرنات طاغور لابنه أن يدرس القانون فأرسله إلى كلية برايتون بانكلترا غير أنه خيب أمل والده ولم يكمل هذه الدراسة لأنه لم يجد فيها ما يرضي نفسه التواقة للفن والأدب.
تزوج طاغور سنة 1883 وهو في الثانية والعشرين من العمر بفتاة في العاشرة من العمر فأحبته بشدة وغمرت حياتهما سعاة وسروراً فخاض معها في أعماق الحب الذي دعا إلى الإيمان القوي به في ديوانه بستاني الحب حتى قال فيها طاغور:
لقد هلت الفرحة من جميع أطراف الكون لتسوي جسمي.
لقد قبلتها أشعة السماوات ثم قبلتها حتى استفاقت إلى الحياة.
توفيت زوجته في مقتبل العمر ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متلاحقة فخلف ذلك جرحاً غائراً في نفسه وبعد وفاة والدته قال طاغور فيها: سأنظم بدموع آلامي عقوداً من الدرر أزين بها عنقك يا أمي وحزني سيبقى لي وحدي لقد انطفأ المصباح الذي كان ينير ظلماتي.
طاغور والإنسان المثقف
كتب طاغور عن الإنسان المثقف فقال: الإنسان المثقف منوط برسالة أخلاقية اجتماعية عليه أن يؤديها فهو بحكم وعيه المستنير تكون رسالته السعي الدائب إلى تقدم المجتمع وإسعاده فهو يجعل جهده أن يذكي في نفوس الناس الشعور بالمثل الأعلى وهو ذلك الشعور الذي استضاء بذور العقل فأصبح حرية نابعة عن الذات ووعياً للحقوق والواجبات ينبه وعيهم للحقوق حتى لايستغلهم المستغلون وحتى يتعاونوا فيما بينهم وحتى يبذلوا جهودهم نفسه المجتمع.
والمجتمع يطلب من المثقف لكي يؤدي هذه الرسالة أن يكون ليس عارفاً فحسب بل أن يكون على الخصوص فاضلاً.
وطنيته
لا يمكن أن نذكر النهضة الحديثة في الهند دون طاغور فهو الذي واكبت كتاباته نضالات الشعب الهندي في مواجهة الإنكليز وبذلك فقد تحولت أشعاره إلى نيران تلتهب وطنية صادقة:
إيه يا وطني أطلب إليك الخلاص من الخوف
هذا الشبح الشيطاني الذي يرتدي أحلامك الممسوخة الخلاص من وقر العصور العصور التي تحني رأسك
وتقصم ظهرك وتصم أذنيك عن نداء المستقبل.
وفاته
قبيل وفاته بأيام قليلة كتب رسالته الأخيرة التي يتطلع فيها بأمل إلى تحول مجرى التاريخ قال فيها:
أزفت ساعة الرحيل.. إني أسافر فارغ اليدين طافح القلب بالأمل.. الطير يحلق في الفضاء لا ليذهب في تحليقه إلى الخلاء.. بل ليرجع إلى أرضه العظمى.
نعم: لقد غيب الموت في سنة 1914 شاعر الهند الكبير طاغور عن عمر ناهز الثمانين كان بحق شاعر الطبيعة والسلام والإنسان في كل مكان.
لكننا نقول إن شمس إبداعه وقيمه النبيلة لم ولن تغيب عنا فهي دامغة في أذهانناوستبقى نبعاً ننهل منه إلى الأبد.