وللأسف غالباً ما يسيطر المشهد السلبي على العقول التي تبحث عمن يساعدها في أفكار غالباً غير مرغوبة في مجتمع ما، وكثيرة تلك الأفكار والسلبيات ولكن ما أردت الحديث عنه هو عادة التدخين التي ظهرت كثيراً عبر المسلسلات لتظهر بطلة العمل وفي يدها سيجارة أو مجموعة صبايا وبيدهن الأركيلة، لتتمثل الكثير من الفتيات بتلك الممثلة وتقلد حركاتها في نفث الدخان والإمساك بالسيجارة أو الأركيلة،
لتكون علبة السجائر في حقيبة المرأة مع أدوات زينتها وعطرها ولتصبح السيجارة ثقافة وحضارة، ولا يقتصر هذا المشهد على المسلسلات والأعمال الدرامية حيث أصبحنا نراه وبكثرة منذ سنوات حيث انتشرت عادة تدخين النرجيلة في معظم المطاعم والمقاصف والمقاهي.. وبشكل يلفت الانتباه.. فلا يخلو مطعم منها خاصة تلك الواقعة خارج حرم المدينة.
والأغرب أن النساء والأطفال واليافعين أصبحوا يتصدرون المشهد الذي يتلخص بالنربيش والنرجيلة.. كما انتشرت موضة المعسل وأنواعه المختلفة التي تحمل أسماء الفواكه والورود..
أما السيجارة فهي تعوُّد نفسي تشغل البال بغيابها، كمطرقة تعمل بالذاكرة لتنبه مركزاً ما بالدماغ، ويمكننا التمييز بين فئتين من المدخنين وهما مدمنو التدخين والمدخنون في المناسبات الاجتماعية وهذه الظاهرة تسمى التدخين الاجتماعي، أي أن يصبح التدخين فقط أحد أنماط الطقوس الاجتماعية وهي غالباً ما تُلاحظ عند النساء أو المراهقين، وخلال الاطلاع على أبحاث تتعلق بالتدخين سواء السيجارة أم النرجيلة أوضحت إحدى الإحصائيات التي شملت عيّنة من الطالبات السوريات أن نسبة المُدخنات منهن 12% وأن 19% منهن يدخنّ (النرجيلة) بينما كشفت دراسة أخرى أن العدد الإجمالي للمدخنات في سورية يصل إلى 23%
و تعد هذه النتائج الإحصائية مقاربة للحقيقة نظراً لامتناع الكثيرات عن التصريحِ عن كونهن مدخنات لاعتبارات اجتماعية وأخلاقية وهذا ما يعرف بالتدخين السرّي
وللأسف هذه النسب في تزايد مستمر بسبب ربط التدخين بالتحرر والانفتاح أحياناً وليس دائماً وعند البعض وليس الكل، وربما أحياناً غرور النجاح، ولا ننسى وسائل الإعلام والمسلسلات التلفزيونية التي باتت السيجارة والنرجيلة تلاحظ في معظمها في يد إحدى بطلات المسلسل والتي لا تفارقها في حالات سعادتها أو ضيقها، عملها أو انشغالها، كما باتت السيجارة علامة مهمة وإضافية للمساواة بين الرجل والمرأة.
ويختلف التدخين الاجتماعي عند النساء عن الرجال بطريقة التدخين ونسبته وهذا ما ذكره الباحثان آلان وباربارا بيينز في حديثهما عن لغة الجسد حيث أصبحت طريقة مسك السيجارة باليد دليلاً على ما في النفس، وكذلك الأنفاس التي تخرج من المدخن حيث إن الأنفاس الصغيرة السريعة من السيجارة تحفز المخ وتمنح مستوى أعلى من الوعي واليقظة في حين أن الأنفاس الطويلة العميقة البطيئة تعمل كعقار مسكن وهذا ما نراه عند مدمني التدخين في محاولة منهم للتخلص الوهمي من الضغط والتوتر.
والمدخنون الاجتماعيون لا يدخنون إلا في حضور الآخرين وذلك لإعطاء انطباع معين لدى من حولهم وتكون أنفاسهم قصيرة وسريعة والغاية صنع سلسلة من الحركات الجسدية الخاصة، كإيماءات النقر ونفض الرماد أو حتى التلويح باليد التي تدل على أن الشخص يشعر بتوتر ما.
فنلاحظ فرقاً بين مسك الأنثى للسيجارة ومسك الرجل للسيجارة حيث تعرف مسكة الرجال للسيجارة بالمسكة السرية، أي غالباً ما تراها ضمن قبضته ويده منخفضة للأسفل أي إلى ما تحت مستوى الصدر، بينما عند النساء نجد السيجارة في يدها كإشارة اجتماعية تساهم في كشف المعصم حيث نرى اليد في وضع مرتفع ومعصم اليد مائلاً للخلف ما يجعل الجسد مكشوفاً للأمام، أي في وضع أقرب إلى المباهاة والغرور. لذلك فلا نستغرب جواب إحدى السيدات عن رأيها في التدخين عند النساء حينما قالت: تريد أن تبدو أنيقة ومتكلفة وربما تجذب الجنس الآخر إذا عرفت كيف تدخن بطريقة جذابة.
وأخرى ذكرت أن السيجارة تعبير عن الرفاهية وربما صفاء الفكر، ولا تحلو جلسة الصديقات والحديث إلا بوجود الأركيلة ضيفة على طاولتنا.
بينما كثيرات اعتبرن التدخين بكل أنواعه وأشكاله يسيء لجمالية المرأة وأنوثتها، ومنهن من فضّل عدم التدخين في الأماكن العامة واعتبرن التدخين حالة خاصة بهن فقط، ولكن للأسف أصبح اليوم مشهد السيجارة والنرجيلة بيد الفتيات مشهداً مألوفاً وغير مستغرب.
فتاة تعمل في شركة خاصة قالت إنها عندما بدأت تعمل لم تكن تدخن ولكن بعد فترة أصبحت تدخن مع صديقاتها السيجارة ومن ثم أصبحت تخرج معهن بقصد تدخين النرجيلة في المحلات ووصفت ذلك بأنه تحد ولكي تظهر حرة أمام الآخرين، وتقول: إن التدخين حق طبيعي ومن يرفض ذلك فهو (دقة قديمة) ومن الظلم أن تتهم الفتاة التي تدخن بأوصاف لا أساس لها من الصحة.