ومن هذه الثيمة التي ترافق الفيلم ينطلق في رحلة بحثه عن الموضوع الذي يسعى لأن سيستقر عليه ، فيغوص في عالم من الخيال يتمازج فيه الواقع مع المتخيل في محاولة لإيجاد صيغة مقبولة يمكن أن تمر رقابياً وتحوي حداً أدنى من القبول .. يتخيل الأفكار التي يظن أنها هامة ويمكنه الخوض فيها عبر فيلمه ، يناقشها (تمثيلاً في مخيلته) لنكتشف بعد فترة أن هناك الكثير من الممنوعات والتابوهات العربية التي تكبّل المبدع وتفرمل جموحه وطموحه ، ومن أهم تلك التابوهات ثلاثي التحريم (الجنس ، الدين ، السياسة) هذه التابوهات التي ينبغي ألا يقترب منها الفيلم السينمائي والتي تشكل بطبيعة الحالة أهم ما يمكن للفرد أن يتحدث عنه .. لا بل يتعدى في سرده للممنوعات هذه المحرمات إلى أفكار أخرى لا يمكنه الخوض فيها أيضاً كالتمويل الخارجي للأفلام (على سبيل المثال) ،
يعيش البطل الشاب في الفيلم حالة من القلق وصلت إلى مرحلة أقرب للهذيان الفكري صاغها المخرج في الكثير من المواقع ضمن إطار مونولوج خاص بث فيه همومه طارحاً وجع وألم ومرارة التعامل مع الواقع ، عاكساً حقيقة الصراع المحموم بين المبدع وفكره المُكبل ، ذاكرة تعج بالإضاءات التي لا تلبث أن توأد بمكانها ولكل منها سبب يجعلها لا تصلح لتكون فيلماً يمكن أن يصل إلى الجمهور ، لقد حرص المخرج أن يطرح مفردات وأفكارا ترتبط بقاع المجتمع ليضفي نوعا من الحقيقة على ما يقدم، وجاءت معظم المشاهد المتخيلة أقرب إلى المشاهد الكاريكاتورية فالابتسامة تنبع من الألم والمأساة من الوضع الذي آل إليه المبدع، إنه ذاك النقد الساخر اللاذع الذي يأتيك محملاً على جناح ابتسامة ، وهو بذلك يغرق في الواقعية وحتى أحياناً يكون أقرب إلى السرد ، ولكنه قدم الصورة وحمّلها وظيفتها للدفاع عن نفسها ، فحتى مشهد (الجنس) جاء كاريكاتورياً .
(الفيلم) جريء شكلاً ومضموناً لسينمائي حاول أن يصرخ بأعلى صوته متجرداً من التابوهات معلناً رفضه لها من خلال طرحها بصورة أقرب للهزل ، هذه الجرأة التي ضمنها أيضاً في معادلة ثلاثية الشخصيات (المخرج ، زوجته ، صديقه) متسائلاً عن حال المبدع في القرن الواحد والعشرين وإن كان وصل إلى مرحلة الخصي أو العقم الإبداعي لأنه نتاج فكر يتعامل ضمن منطق المسموح والممنوع؟.. ويعكس الفيلم في أحد مفاصله هموم الشباب الذين يضيعون بين ما يرغبون هم وما يرغبه منهم المجتمع ، بين المسموح والممنوع ، بين الأحلام التي لا حدود لها وبين الأفق الضيق الذي يؤطره المجتمع الاستهلاكي .
يذكر أن فيلم (فيلم) عرض مؤخراً ضمن مسابقة مهرجان الرباط الدولي السابع عشر لسينما المؤلف ، كما عرض في الدورة الأخيرة للمهرجان القومي للسينما المغربية في طنجة وحصد فيه على جائزتين (جائزة العمل الأول ، جائزة أفضل دور ثاني رجالي) ، وهو من سيناريو وإخراج محمد أشاور ، تمثيل : محمد أشاور وفاطيم لعياشي وفهد بنشمسي .