تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحلـــــــــــــم

ابجد هوز
الاثنين 25-7-2011
معتصم دالاتي

كنت في أقصى حالات الاكتئاب، ولم تنفع معه ركوة القهوة ولا سجائر الحمراء الطويلة الوطنية، قلت أجرب المخدرات، فأنا أحتفظ في بيتي بمجموعة منها،

بعضها للتسلية والترويح عن النفس، وبعضها للنشوة، وبعضها يحلق بي في فضاءات عالية بعيدة المدى، وكنت بحاجة إلى جرعة مركزة لأخرج مما أنا فيه.‏

تناولت من العلبة واحداً من تلك الأقراص الثقيلة المفعول، ثم وضعته في جهاز الـ«CD» وكبست زر التشغيل على أغنية الحلم لأم كلثوم، وما هي إلا هنيهات حتى بدأ يسري مفعولها في خلايا الروح، وما إن انتهت هذه الأغنية الكلثومية حتى كنت خارجاً مما أنا فيه من اكتئاب، وليصبح مزاجي في أقصى حالات الرواق.‏

في ثلاثيته الرائعة يرصد نجيب محفوظ تطور المجتمع المصري الحديث من خلال أبطال الرواية، وفي إحدى هذه المحطات يدور الحديث بين مجموعة الأصدقاء عن مطربة جديدة اسمها أم كلثوم، حيث تلقفها الجيل الجديد بالإعجاب، والبعض كان متحفظاً، أما الجيل القديم المحافظ على ما تربى عليه ذوقه الفني من أغاني سيد درويش وعبدو الحمولي وألمظ وفتحية أحمد وسواهم من مطربي ذاك العصر فقد رفضوا وحاربوا ذاك الوافد الجديد، معتبرين إياه صرعة حداثوية عابرة مثل أي موضة لا يمكنها الصمود أو الاستمرار أمام دهاقنة الطرب الأصيل، لكن أم كثلوم ولأكثر من نصف قرن تربعت على عرش الطرب، وحملت لقب سيدة الغناء العربي، وكوكب الشرق وحفلتها التي كانت تقام يوم الخميس من أول كل شهر، كانت تجمع العرب، كل العرب على سهرات في البيوت أو المقاهي على الراديو بإنصات تام لايقطعه سوى التطييب والصراخ بكلمة آه يا ست، فهل يمكن ولو مجازاً أو دعابة القول: إن الوحدة العربية الشاملة التي تلم شمل العرب على قضية واحدة لم تتحقق إلا في الحفلات الشهرية لأم كلثوم.‏

ولأن الزمن لا يراوح مكانه، لأن الثبات هو الموت، والتطور هو الحياة، فلقد تراجعت أم كلثوم لمصلحة أنماط حديثة من فنون فنانين في الموسيقا والغناء.‏

أعترف أنني أنتمي إلى جيل أم كلثوم، لكنني مع الحداثة والمعاصرة لأبعد الحدود، وقد ذكرت في البداية أثر الفن على القلب والروح في مسح الكآبة والآلام والأحزان.‏

في الطبيعة نباتات سامة، وأيضاً نباتات يستخرج منها الدواء.. أو ليس الإنسان كذلك؟، بعضهم لا يحمل لك إلا الشرور والآثام وبعضهم يقدم الخير والفرح الذي يمسح تلك القباحات، فهل نستطيع الادعاء أن الفنون هي الأعلى والأروع من كل الاكتشافات الإنسانية لأنها المخلص مما يزرعه البعض في نفوس الآخرين من سواد؟.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية