ومشروع العمل هذا مشروع قديم بدأه الباحثون منذ تسعين عاماً استغرق عملاً دؤوباً لمراكز مختصة بالشرق الأوسط في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية أنجزه أخيراً فريق من جامعة شيكاغو تحت عنوان «اكتمال معجم شيكاغو للغة الآكادية» المعجم عبارة عن واحد وعشرين جزءاً موسوعياً في تدقيق المفردات والعبارات من اللهجات الآشورية والبابلية التي تعرف مجتمعة باللغة الآكادية المنقرضة منذ نحو ألفي عام، ويحتوي المعجم على مليوني بطاقة معلومات تقريباً.
يقول رئيس قسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني أرفينغ فنكل والذي عمل في السبعينيات من القرن الماضي عدة سنوات في هذا المشروع يقول: «إنها لحظة تاريخية مهمة وجريئة» إن الأحرف المسمارية التي كتبت بها كل من الآشورية والبابلية والتي استخدمت أول مرة في اللغة السومرية تعتبر أقدم مخطوطة في العالم وهذا ما يوثقه المعجم بعد دراسات دقيقة لكتابات من بلاد ما بين النهرين أي العراق وأجزاء من سورية وتركيا.
وبهذه اللغة كان الملك الآكادي سرجون قد حكم ما يمكن أن نعبتره أول امبراطورية في العالم نحو 2300 قبل الميلاد وحيث سن حمورابي أقدم مصطلح قانوني عرفه العالم بحدود 1700 ق. م أيضاً.
بكلماتها أيضاً تم تدوين ملحمة جلجامش أول تحفة أدبية عالمية، وبها أيضاً شدد نبوخذ نصر الثاني على عزيمة زوجته التي أصيبت بالوهن والإحباط ووعدها بأن يقدم العناية اللازمة لحدائق المعلقات السبع العجيبة.
إنها لغة أقدم المشاريع في العالم من طرق استثمار الأراضي وفتح أقنية الري ونقل سفن الحبوب من مكان إلى آخر، هي لغة العرافة والتنبؤ، لغة نصوص الطب البابلية التي قدمت لنا شرحاً لقراءة المستقبل في كبد الخروف.
أحد الأساتذة الجامعيين جيرولد كوبير الخبير في اللغات السامية من جامعة جون هوبكينز في ماريلاند والذي عمل في هذه الأبحاث منذ أعوام الستينيات يقول: سيفتح هذا المعجم الباب على دراسات وأبحاث في المدونات الأغنى في الكتابة المسمارية التي عرفت في بلاد ما بين النهرين نحو الألف الرابعة قبل الميلاد كتبها السومريون الأوائل ويرجح أن تكون أول منظومة كتابة في العالم في أقدم حاضرتين من دجلة والفرات وتعتبر أقدم شاهد على حضارة مدنية نقلت الإنسان إلى كائن متحضر أنتج علماً وثقافة.
يتضمن المعجم 28000 مصطلح تم تداوله ما بين أعوام 2500 ق. م إلى 100 بعد الميلاد.
كما يشتمل على كلمات ومصطلحات عثر عليها مكتوبة على ألواح من الصلصال ومنقوشة على الحجر ما أتاح المجال لفك رموزها التي تحتمل معاني كثيرة ترتبط حصراً بتاريخ تلك الحضارة.
هناك أيضاً نصوص بحثية تتعلق بالآداب والحقوق والدين والتجارة والحياة اليومية، نصوص عمرها أكثر من 2500 عام تحتوي على وثائق علمية وأدب ملحمي وتضرعات إلى الآلهة أيضاً رسائل في الحب، أي يتيح لنا القاموس أن نقرأ كلمات لشعراء وفلاسفة وعلماء فلك ومشعوذين من ذلك الزمان الغابر.
هناك سبع عشرة صفحة خصصت لدخول ماسمي «النور».
فكل مصطلح وكل كلمة نصل إليها هي أشبه بمن يطل عبر نافذة على هذه الثقافة وعلى تاريخ عمره آلاف السنين كما تقول مارثاروث عميدة قسم دراسات الآداب القديمة في جامعة شيكاغو والتي اشتغلت على هذا المشروع منذ العام 1979.
ويرى ماتوي ستولبر الأستاذ في جامعة شيكاغو أن معجم شيكاغو الآشوري وترجماته أو تفسيراته التي استندت إلى سلسلة من الدلائل الراسخة والشهادات الجريئة سيفتح طريقاً بل مسار بحث جامعي لجيل كامل من المختصين في علوم بلاد ما بين النهرين يقول ستولبر: حتى ولو أنها لغة منقرضة لكنها استطاعت أن تثير النقاش والبحث وأن تقيم الندوات الحية.
وبحسب مارثاروث فإن هذا الإرث الضخم علينا متابعته والبحث فيه تقول: المدهش في الأمر ليس الفرق بين تفاصيل حياتهم في ذاك الزمن وحياتنا اليوم بقدر ماهو التشابه، كما أننا لم نشعر بعالم غريب عن عالم اليوم ويبدو أن النواة الأولى لتقدم الإنسان تشكلت في بلاد ما بين النهرين.
إن هذا المعجم أساس لكل الدراسات المستقبلية ولن يكون المؤلف النهائي حول الموضوع.