حيث يعيش فوق كوكب الأرض حوالي 7 مليارات من البشر، يبلغ عدد سكان الدول النامية أكثر من 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3.6 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك حوالي 1.4 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يومياً، في حين يمتلك أغنى 200 شخص في العالم ثروة تقدر بدخل 40% من سكان العالم.
فالمطلع على الأرقام المهولة التي يرصدها الاحصائيون حول المجاعة والفقر في العالم كله، سيرى بأنها تدعو إلى الرهبة والخوف على ما سيكون عليه مصير الشعوب الفقيرة المعدمة في السنوات القادمة، وخاصة أنه أصبح أكثر ضحايا الفقر والمجاعة هم من الأطفال، حيث يموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، ويقضي خُمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعاً، والزيادة في هذه الأرقام كل عام تنبئ بزيادة الجرائم والانحلال الأخلاقي بين شعوب العالم وزيادة الفساد، وبالتالي موت الضمير وضياع الإنسانية.
إن الاحصائيات تفيد بوجود أكثر من مليار جائع في العالم وهم بزيادة قدرها 11 في المئة سنوياً في ضوء الأوضاع الراهنة، وهذا نتيجة العديد من الأسباب الأساسية مثل الجهل والتخلف والزيادة السكانية والحروب الأهلية والجفاف، وندرة الأمطار والزلازل والبراكين وغيرها، التي تخلف وراءها موجة من الأمراض والمجاعات، وتأتي النتائج مروعة على لسان علماء المناخ، حيث إنهم يؤكدون أن الكوارث الطبيعية التي تلحق بالكوكب اليوم ما هي إلا نتيجة من نتائج استهتار الدول الصناعية وعدم مبالاتها.
وهناك أسباب من الدول المتقدمة أو الدول الأغنى، منها ظاهرة العولمة، فيقول جورج سروس أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد «لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف (ويعني البلدان النامية) إلى المركز أي الدول الغربية»، وتجاهل الدول الصناعية الكبرى لظاهرة الاحتباس الحراري، وهيمنة القطب الواحد الذي أدى إلى السعي إلى تأكيد السيطرة الأميركية على العالم وبسط نفوذها، ما قاد في كثير من الأحيان إلى إفقار الدول أثناء ترويضها - فالعقوبات الاقتصادية، وغزو واحتلال الدول، وتأييد سياسة الاحتلال سعياً وراء السيطرة على المواقع الاستراتيجية في العالم - كلها أمور أدت إلى تفاقم مشكلة المجاعة والفقر وحولت شعوباً كانت في الأصل غنية إلى حالة من الفقر الشديد. إضافة إلى نتائج وتبعات عهود الاستعمار، حيث يشير المهتمون بظاهرة المجاعة في العالم إلى أن السبب الذي جعل كل ما سبق يصل بالشعوب إلى حافة الهاوية هو أن هذه الشعوب كانت قد استنزفت خيراتها خلال عقود من الاستعمار تعرضت فيها لنهب ممتلكاتها.
ومن أخطر أسباب المجاعة هو شح المياه فهو خطر يهدد الإنسانية في العالم كله وسيتسبب بكوارث كثيرة منها غلاء أسعار المواد الزراعية، وزيادة التصحر والإضرار بالأمن الغذائي العام وتأثيره على الزراعة التي تعد الأساس في مكافحة المجاعة، فالتحذير الذي أطلقه الدكتور «جاك ضيوف» المدير العام السابق لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «FAO» أوائل عام 2010: «إننا لن ننجح في تحقيق أمن الغذاء دون استثمارٍ جدي في التكيف لتغير المناخ، والحد من أخطار الكوارث على القطاع الريفي.. المتعين التعامل مع قضيتي الأمن الغذائي وتغير المناخ عبر منظور واحد من خلال تحويل قطاع الزراعة، وتبني الممارسات الذكية مناخياً لاجتثاث الجوع على صعيد العالم». وهناك أسباب عديدة وراء الخلل الحادث في مسألة أمن الغذاء منها: تقلص مساحة الأراضي الزراعية مع زيادة عدد السكان بصورة كبيرة وارتفاع درجة حرارة المناخ ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأراضي الزراعية بسبب الجفاف أو الفيضانات أو العواصف أو تآكل تلك الأراضي.
إن أولى خطوات اجتثاث المجاعة في العالم هو الاستثمار في تطوير الزراعة ضرورة لضمان تدفق الإمدادات الغذائية مستقبلاً، والأمل في «الثورة الخضراء» لإعادة إحياء الزراعة وإنقاذ العالم من مجاعات محققة، وحماية ودعم المزارعين لإبقائهم عاملين بحماس وسرور لتأمين غايات وحاجات أوطانهم من الأمن الغذائي والإبداع وتحسين الإنتاجية وسلامة الغذاء وتخفيف الكلفة وحماية البيئة. واختيار المزروعات ذات القيمة المضافة العالية يساهم في خلق فرص أكبر للعمل في الأرياف، وتحسين المستوى المعيشي للسكان، ما يمنحهم قدرة أكبر لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، ودعم المشاريع المشتركة، إذ من المهم جداً أن تتعزز المشاريع الزراعية المشتركة بقصد توجيه رؤوس الأموال المتوافرة إلى الاستثمار في البلدان ذات الأراضي الصالحة للزراعة والإمكانات المائية المهمة، وضرورة إجراء تغييرات في أساليب الزراعة، وتقديم محفزات للقطاع الزراعي للتعامل مع سوء التغذية. وتضييق نطاق إنتاج الأغذية التي تتطلب موارد كثيرة واستثمار ما يتوافر بفعل هذا الإجراء في إنتاج الطعام. وإجراء تغييرات جذرية في نظام إنتاج الغذاء، ويوصى بانتهاج أسلوب لإنتاج غذائي قابل للاستمرارية. والتوجه إلى الزراعة العمودية حيث تعد حلاً ثورياً لمشكلة المجاعة في العالم، والفكرة هي بناء المزارع العمودية التي يطلق عليها اسم المزارع الزجاجية الناطحة للسحاب. إضافة إلى معالجة الأسباب الأساسية للمجاعة، والتركيز على الفرد وبناء قدرات المجتمعات المحلية، والقضاء على كافة مظاهر التخلف.
ومع الحقائق البارزة للوضع الذي يعيشه العالم ورغم الأسباب السابقة وغيرها والتي تُحمل الدول الغنية مسؤولية كبيرة في فقر الشعوب، فقد ظل الالتزام السياسي غائباً. وتكرر غياب زعماء القوى السياسية الكبرى عن المناسبات التي تهتم بهذه الأزمة، ولم يتجاوز إعلان المؤسسات المالية المتحكمة في اقتصاد العالم عن تصميم البرامج الرامية إلى الحد من الفقر وتطبيقها الاستهلاك الدعائي لإخفاء حقيقة أهدافها التجارية. واقتصرت الحلول إبان الأزمات الكبرى التي يسببها الفقر على تقديم الغذاء والخيام والإسعافات الأولية دون السعي إلى تقديم حلول طويلة الأمد، رغم تكرار المختصين بأن الحل لا يكمن في تقديم القوت للجياع بل يجب القضاء على الأسباب الكامنة وراء المجاعة في مختلف أنحاء العالم بصورة سريعة ومستديمة ومتواصلة، وإن المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة هي أقل مما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
إن هذه الدول ما لم تسارع إلى السعي الجدي لإيجاد حل لتلك المشكلة، ستجد نفسها قريباً عاجزة عن حماية جزيرتها المتخمة بالخيرات من الأمواج العاتية المتدفقة من البحار المحيطة. فالإحصائيات تشير إلى أن المشكلة في تفاقم وازدياد وأن على الحكومات والجهات المسؤولة إيجاد حلول سريعة وعملية للمشكلة، وإلا أصبحت هذه المشكلة كقنبلة موقوتة تهدد أمان واستقرار ووجود الشعوب على وجه الأرض.