تجسد تطلعات كل الشعوب والثقافات التي لايحق لأي دولة عظمى أن تحتكرها ، أو تتلاعب بها. فقارات العالم كلها تشهد تدهورات بنيوية ، وحسبها أميركا الجنوبية ميالة أكثر إلى الاستقرار مع استثناءات في انقلابات في السنوات الأخيرة في هندوراس ومحاولة الانقلاب في الأكوادور.
ولو عدنا إلى سقوط جدار برلين ونظرنا إلى المنظومة القيمية لدى الغرب الرأسمالي«المتوحش» وفرحته بإعلان الانتصار على الشيوعية ، لظهر جلياً أن الغرب في منظومته الأخلاقية الجديدة لم يعد ذاك الغرب الذي ينصاع لمحددات الأخلاق التي يزعم أنها كونية وصالحة في كل مكان وزمان وليغدو أن أكثر مايكرهه الآخرون فيهم هو تناقضهم مع أنفسهم ومع هذه القيم في الوقت الذي لم يعد هناك سوى قطب واحد مهيمن على أرض الواقع.
ومن هنا توطد الولايات المتحدة كل ماهو مخالف لما تعليه من مبادىء ، فيظهر مبدأ «ازدواجية المعايير» عندها في الممارسة حيث تعطي الشعور باحتقار العرب والرغبة في إذلالهم فغدا سقوط جدار برلين بلا قيمة أولاً أمام تلك الأسوار التي تبنى على حدود المكسيك وفي قطاع غزة المحاصر ، والضفة الغربية ، ثم تفتيت السودان، وعمل واشنطن على تطبيق مقررات المؤتمر الصهيوني العالمي المنعقد عام 1982 لتفتيت العالم العربي ولاسيما مصر وليبيا وسورية وغيرها من الدول وهكذا فالخطط الأميركية المعززة بممارسات أوروبية تحمل معها دوماً استمرار الانتهاك الجلي لعناوين الديمقراطية وحق تقرير المصير حيث يرافق الخداع كل حملة على أي بلد، فحرب العراق كانت بذرائع عجزت عن إثباتها إدارة بوش ألا وهي أسلحة الدمار الشامل وتعامل النظام العراقي آنذاك مع القاعدة، علماً أن أحد رجال السي آي إيه الذي قبض عليه في باكستان بسبب قتله ثلاثة أشخاص باكستانيين أثبتت التحقيقات معه أنه على صلة مع القاعدة « أي أميركا تتواصل معها» فأي أسلوب غطرسة تتعامل به واشنطن مع العالم وعدم اكتراثها بسيادات الدول؟! وهي قد خلقت ألف فتنة في العراق لتخلق تداعيات للتنصل من تطبيق اتفاق الانسحاب منه في الوقت الذي تسعى فيه لضرب الدول المجاورة له بأساليب متنوعة لتبقى إسرائيل هي الوحيدة التي لايطبق عليها العقاب ، فتحرم الفلسطينين من حقوقهم مع تواطؤ ومسؤولية دول الاتحاد الأوروبي ، إضافة لخرقها المستمر للقانون الدولي، ثم تصدير السلاح إليها على أن هذا الأمر في الأدبيات الأوروبية يتعارض مع روح الاتحاد الأوروبي وقوانينه ، فيطلبون من بعض الدول القيام بأمور معينة ، على حين يسارعون إلى طلب عدم القيام بها في دول أخرى.
وبيت القصيد إسرائيل أولاً ثم النفط والاستثمارات وجشع الشركات الغربية التي يثور لعابها على البلدان العربية في قطاعات الاستثمار والطريق إلى ذلك إلغاء البعدين العربي والإسلامي في العالم العربي وإلغاء الثقافة العربية في تحريك الشوارع العربية ومدّ المرتزقة بالسلاح والمال ، لتظهر في الواجهة مجرد ثورات لا فكر لديها ولا قيادات ، وماوراء كل ذلك أن يستريح الأميركي والإسرائيلي وأوروبا وعملاؤهم حتى نهاية القرن. وفضائحهم كثيرة من فضيحة روبرت مردوخ صاحب مجموعة «نيوزكورب بوست » في الولايات المتحدة التي تضم شبكة (فوكس) وصحيفة نيويورك وصحيفة وول ستريت جورنال ، فهي تتلاعب حتى بحياة المواطنين في أوروبا وأميركا وتسكت عن جرائم الناتو في ليبيا وتوظف شهود العيان والتنصت على المواطنين وتخفي الحقائق بلا مسؤولية قانونية ولاأخلاقية ولاتقيد بقانون ، وتتجسد صورة الغرب الذي هو فوق القانون ذي الذرائع التي لاتنطلي على أحد والذي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في ليبيا والعراق وأفغانستان وباكستان في أسلوب ممنهج يمتد إلى عدوان على سورية وإن بلا حرب مباشرة ليظهر عملاء أميركا وإسرائيل بدءاً من ساركوزي إلى كاميرون، هؤلاء الذين جعلوا مواطنهم يصطدم بقانون معاداة السامية لمجرد انتقاد إسرائيل وربط البرجوازيات الصغيرة عملاء لهم مع معارضات لاوزن لها في أوطانها ليكون البون شاسعاً بين المعارضة الشريفة والخنوع لمصالح الخارجية .
وباعتراف الباحث البلجيكي بيير بتشينين، وهو واحد بين ألف ممن اعترفوا بذلك ، أن وسائل الإعلام تتعمد التضخيم والمبالغة في بث معلومات عن الأحداث في سورية وهو ماقاله أيضاً تيريميسان بشأن سورية وليبيا وغيرهما من الدول العربية والذي اعتبر أن الحكومة الفرنسية «ترتكب جرائم لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، وأنها ستخسر كل أصدقائها وسيكون على ذمتها الكثير من الدم».
ناصحاً حكومته برفض نظام السيطرة العالمي الذي يستعبد فرنسا .