سري في طور الإنشاء، فتتبنى أميركا والغرب هذه الأكذوبة ليجعلوا منها ((قضية نووية)) تتلقفها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتشغل نفسها بها إلى حد تحويلها إلى ملف تحيله في حزيران الماضي إلى مجلس الأمن الدولي, ليقوم بدوره هو الآخر بالانشغال في مناقشة قضية مفتعلة تحت عنوان (جلسة إحاطة) يعقدها بتاريخ 14/7/2011، ثم تنتهي الجلسة بتأكيد كل من روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا على عدم وجود أي نشاط نووي سري في سورية.
ومع أن الواجب القانوني كان يحتم على مجلس الأمن مناقشة العدوان الإسرائيلي لما يمثله من انتهاك سافر للسيادة السورية وتهديد لأمن سورية واستقرار المنطقة، وتالياً للأمن الدولي بحكم العلاقة العضوية بينه وبين الأمن الإقليمي، إلا أن هذا المجلس انشغل بدلاً من ذلك بقضية ملفقة أريد بها التغطية على العدوان الإسرائيلي للنأي بإسرائيل عن إدانتها دولياً بسببه..!
ولم يقف الأمر بالغرب وخصوصاً أميركا عند حد قلب حقائق ما حدث رأساً على عقب، بل تجاوزه إلى حد إبداء المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس قلق بلادها مما وصفته بعدم احترام سورية لواجباتها الدولية في المجال النووي, وذلك في محاولة لإثبات التهمة على سورية وتثبيتها بذريعة أنها تخل بالتزاماتها الدولية حيال معاهدة الحظر النووي.
إن أميركا بهذا الموقف لا تغطي فقط على العدوان الإسرائيلي وتعطل العدالة الدولية تجاهه، بل تمارس أيضاً سياسة كيد وتحريض على سورية أكثر ما ينطبق عليها هو أنها نفاق سياسي فاقع يتخذ طابع التناقض السافر في الموقف والنظرة حيال القضية النووية, وهذه السياسة كذلك لأنها تتهم سورية كذباً بمشروع نووي سري لاوجود له, وتصاب بالعمى حيال مشروع نووي عسكري تشتغل عليه إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن وتكشف تقارير الاستخبارات الأميركية نفسها الكثير من تفاصيله وأسراره، التي تؤكد أن إسرائيل تخزن مئات الرؤوس النووية وتهدد العرب بها بين الفينة والأخرى، وتعتمد في الوقت نفسه سياسة غموض مقصودة حيال تسلحها النووي بالتهرب من استحقاقات كشف برنامجها العسكري ونتائجه الخطيرة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفوق هذا كله فإن النفاق الأميركي في المجال النووي يتكشف عن تناقض فاضح في الموقف الأميركي المعلن من موضوعة إخلاء العالم من الأسلحة النووية إنطلاقاً من الشرق الأوسط, إذ في حين يعلن أوباما ضرورة العمل على هذا الهدف، نراه يعترض على مناقشة الملف النووي الإسرائيلي في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقات الذرية, ويوفر المسوغات لاعتراضه رغم الخطر البالغ لهذا الملف على الأمن الدولي لجهة أنه برنامج مخصص لإنتاج الأسلحة النووية المهددة للحياة والحضارة في المنطقة.
والدليل القاطع في هذا السياق لم يكن فقط في الانتقاد الأميركي لمؤتمر مراجعة معاهدة الحظر النووي الذي انعقد في العام الماضي على قراره بعقد مؤتمر دولي في العام 2012 حول شرق أوسط خال من الأسلحة النووية ودعوته إسرائيل للمشاركة فيه والانضمام إلى المعاهدة, بل كان أيضاً في حماية إسرائيل من أي نقد دولي لموقفها الرافض للانضمام وسياسة الغموض التي تنتهجها تاريخياً, وفي التبرير المبطن لامتلاكها السلاح النووي بدعوى احتياجاتها الأمنية.
ففي تعقيبه على قرار مؤتمر المراجعة في حينه يربط الرئيس أوباما عقد مؤتمر 2012 بعدم محاولة استهداف إسرائيل, بالرغم من أنها الوحيدة في المنطقة التي تملك أسلحة نووية، ثم في موقف أراد به طمأنة إسرائيل إلى ثبات أميركا على نفس سياسة الغموض الإسرائيلية المتبعة حيال البرنامج النووي, قال أوباما: «إن السياسة الأميركية في مجال انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط لم تتغير..» وأضاف في موقف لاحق: «إن بلاده تتفهم حاجات إسرائيل الأمنية الخاصة وهي لن تطلب أبداً منها القيام بأي خطوة من شأنها أن تمس بأمنها ومصالحها الأمنية».
إن النفاق الأميركي وفقاً لهذه النظرة المتناقضة حيال الحقيقي والوهمي في القضية النووية وحيال المعلن والممارس أميركياً، لايقف عند حدود الكذب والافتراء على دول كسورية وإيران لاتسعى لامتلاك السلاح النووي, بل يتعداها إلى حدود تسويغ امتلاك إسرائيل للسلاح النووي بمسوغ الأمن وقطع الوعد لها بثبات أميركا على سياستها التقليدية الداعمة لسياسة إسرائيل النووية بالمسوغ نفسه.
والوجه الأبرز للنفاق هنا هو النظر إلى الأمن الإسرائيلي في المنطقة وكأنه الأمن الوحيد الذي يحتاج من الولايات المتحدة دعم كل ما تزعم إسرائيل أنه ضروري له، وحتى إن كان السلاح النووي نفسه الذي استعار أوباما مفهوم حماية الأمن للتورية عنه.