فهل يتم الانسحاب وبأي حجم سيكون، أو يعاد انتشار قوات الاحتلال الأميركي وبأي طريقة؟
في نظر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فإن التمديد لبقاء القوات الأميركية في العراق يحتاج إلى اتفاقية جديدة بين البلدين يصوت عليها ثلث أعضاء مجلس النواب البالغ عدد أعضائه 325 نائباً ، لكن بقاء عدد من المدربين الأميركيين على استخدام الأسلحة البرية والبحرية المشتراة من الولايات لايتطلب هذا الإجراء.
تقول صحيفة« نيويورك تايمز» الأميركية إن الحكومة العراقية أخبرت المسؤولين الأميركيين سراً أنها تريد بقاء قوات أميركية في العراق بعد نهاية هذا العام، وهو الموعد المقرر فيه انسحاب بقية القوات الموجودة، وأن الأميركيين أخبروا نظراءهم العراقيين سراً أيضاً، أنهم يريدون البقاء.
ليون بانيتا الذي اختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما لتولي وزارة الدفاع « واثق تماماً» من أن الحكومة العراقية ستوافق، لأن كتلة« دولة القانون» التي تزعمها المالكي وكذلك الأكراد مع بقاء القوات الأميركية.
في موقع مجلة« ذاناشيونال انترست » الأميركية كتب بندغالن كاربنتر، نائب مركز دراسات الدفاع والسياسة الخارجية في معهد « كاتو» للأبحاث في واشنطن يقول: تخطط إدارة أوباما لإبقاء جيش استعماري بالأمر الواقع في العراق وخطط الانسحاب لاوجود لها والانسحاب العسكري النهائي يبدو اليوم زائفاً مع كل يوم يمر.
فمنذ أشهر وقادة البنتاغون يطلقون بالونات اختبار بشأن« ضرورة» إبقاء قوات في ذلك البلد بعد نهاية العام 2011.
ويضيف الكاتب قائلاً: « وحتى في حال لم تنجح واشنطن في إرغام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبول استمرار وجود عسكري أميركي « رمزي» في بلده فإن جيشاً استعمارياً أميركياً بالأمر الواقع سيبقى هناك إلى أجل غير مسمى.
والكاتب ينفي مزاعم الإدارة الأميركية التي تصور نيتها السماح للعراقيين بإدارة شؤونهم الخاصة في وقت تقوم الولايات المتحدة ببناء سفارة فخمة عملاقة في بغداد، ستكون مجمعاً يحجم مدينة الكاتيكان تقريباً، وسيعمل فيها أكثر من ألف دبلوماسي ومساعد مباشر.
واستناداً إلى صحيفة« وول ستريت جورنال» فإن السفارة الأميركية سوف تستخدم مفرزة أمنية خاصة تتكون من 5100 شخص من أجل حماية العدد الضخم من العاملين في السفارة والقيام بمهمات أخرى.
وفي شهادة أمام لجنة برلمانية، أقر باتريك كينيدي، مساعد وزير الخارجية لشؤون الإدارة الأميركية، بأنه إضافة إلى حماية الدبلوماسيين ومباني السفارة، فإن هذه القوة الأمنية« سوف تدير أسطولاً من طائرات وعربات مدرعة، واضح أن السيناريو المرسوم للعراق ليس الانسحاب وإنما التخطيط لبقاء قوات تضم 5000 إلى 15000 جندي يدعمهم جيش خاص من المرتزقة يضم أكثر من 5000 عنصر، معظمهم عسكريون سابقون، تحت عنوان« الشركات الأمنية». لقد عودتنا الولايات المتحدة الأميركية ومنذ الحرب العالمية الثانية أنها إذا مااستقرت عسكرياً في بلد ما، فإن قادتها العسكريون لن يقبلوا أبداً بتغيير هذا الوضع مالم تكون خسائرهم أكثر من أرباحها .
فالولايات المتحدة مازالت حتى اليوم تحتفظ بقوات وقواعد الجنوبية بعد نحو 60 عاماً من نهاية الحرب الكورية، وفي ألمانيا واليابان بعد 66 عاماً من نهاية الحرب العالمية الثانية.
والحالات الوحيدة التي تسحب فيها القوات الأميركية هي عندما يتم طردها بالقوة، كما حدث في فيتنام، ولبنان والصومال أو عندما تقع أحداث غير معتادة / كما حدث في الفلبين/ عندما تزامن انفجار بركان بيناتوبو مع تصويت مجلس الشيوخ الفلبيني على قرار بإغلاق القاعدتين الأميركيتين.
والعراق اليوم مهدد بأن يصبح أحدث حلبة تطبق فيها واشنطن عقيدة بريجنيف العسكرية وفق ما أوردته صحيفة « وول ستريت جورنال» في الستينات والتي تقضي بأنه عندما يصبح بلد ما عضواً في المعسكر الشيوعي ، فلن يسمح له أبداً بالانسحاب، وبالمثل عندما تستقر قوة أميركية كبيرة في بلد آخر، فلن يقبل قادتها السياسيون والعسكريون الأميركيون أبداً تغيير هذا الوضع.
وتضيف الصحيفة قائلة: هناك اليوم قرع طبول من أجل الإبقاء على وجود عسكري كبير في أفغانستان لسنوات أو عقود قادمة، والقادة الأميركيون ينكرون دائماً أن تكون الولايات المتحدة امبراطورية، ولكن من المؤكد أن سلوك واشنطن يخلق انطباعاً بأنها امبراطورية لديها قواعد ودول تابعة، وسلوكها في العراق لايفعل شيئاً لتبديد هذا الانطباع.
أخيراً تخطئ إدارة أوباما كثيراً إذا ما اعتقدت أن بقاء قواتها أمر مرغوب فيه من قبل الشعب العراقي، وستكتشف يوماً أن قوة الشعوب أقوى من قوتهم العسكرية الغاشمة رغم براعة مخططيهم وحسابات سياسييهم التي لا تنطبق كثيراً على البيدر.
فالمشروع الأميركي إلى زوال مهما حاول الأميركيون تجميله.