السياسية الدولية بفضل تكامل عوامل إثبات الوجود الوطني في الإطار العام على الرغم من الانقسامات الفكرية والتكتيكية التي أنهكت الجسد الفلسطيني على مدى عقود من العمل الشاق الذي اتسمت فيه مراحل القضية الفلسطينية التي اعتبرتها سورية قضية العرب المركزية وتبنتها في كافة المحافل العربية والإقليمية والدولية، وقد أخذت قضية تحرير فلسطين موقع المقدمة من المصالح القومية العليا في السياسة السورية منذ احتلال فلسطين.
يأتي الاعتراف السوري الرسمي بالدولة الفلسطينية على أراضي الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، خطوة هامة في دعم التوجه الفلسطيني بالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم للطلب رسمياً باعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة، وحق الشعب الفلسطيني في العيش الحر الكريم على أرضه الوطنية وتحريرها من المغتصب الاسرائيلي الذي مارس كل أنواع الظلم والقهر على الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، السؤال الذي يفرض ذاته في هذا السياق: ما هو الموقف الأميركي والإسرائيلي من الطلب الفلسطيني؟ وهل ستتعامل حكومة الكيان الصهيوني مع المطلب الفلسطيني بمسؤولية تفرضها قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي؟ أم أنها ستتعامل مع المسعى الفلسطيني على أنه موقف معاد لها وتتجند بالفيتو الأميركي كالعادة إذا وصل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي؟
من المؤكد بأن القرار السوري بالصورة التي خرج بها شكل صدمة حقيقية للحكومة الإسرائيلية التي كانت تدعي أن التيار العربي المقاوم وعلى رأسه سورية يسعى للقضاء على اسرائيل ورميها في البحر، في الوقت الذي أثبتت فيه السياسة السورية جديتها في الجنوح نحو إقامة سلام عادل وشامل في المنطقة منذ حضورها مؤتمر مدريد في تسعينات القرن الماضي انطلاقاً من إيمانها بأن الحروب لم تجلب إلا الكوارث ،الويلات، وقد وضعت أسس هذا السلام المنشود الذي يعيد الأرض والحقوق إلى أصحابها الحقيقيين دون نقصان، لكن إسرائيل التي كانت تفتعل الأحداث وتتهرب من مستحقات السلام في كل مرة تصل فيها المفاوضات غير المباشرة الى مرحلة متقدمة ليجهض كل المساعي الجدية لتحقيق سلام، كما يأتي القرار في مرحلة تحاول فيها الإدارة الأميركية الهروب إلى الأمام وإقناع الفلسطينيين بضرورة الذهاب إلى مفاوضات سلام مع الحكومة الصهيونية وعدم الذهاب إلى الأمم المتحدة بالرغم من فشل المفاوضات على مدى عقدين من الزمن، لاسيما وأن عرض الموضوع في الأمم المتحدة سيظهر من جديد عدم جدية الإدارة الأميركية في تحقيق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، في الوقت الذي تستخدم فيه الإدارات الأميركية المتعاقبة القضية الفلسطينية مجرد فزاعة ووسيلة يتم تداولها واللعب عليها في الانتخابات الأميركية لكسب المزيد من الدعم والأصوات اليهودية الفاعلة على الساحة الأميركية، من هنا نجد أن الموقف السوري سيكون له موقع المحرك الأساس في دفع عملية السلام إلى الواجهة، وكشف وتعرية الجهات التي تعيق إنجاز السلام في منطقة الشرق الأوسط، وقد يكون له الدور الهام في تحفيز ثقافة المصالحة والتوحد لدى الفصائل الفلسطينية المتعددة التي هي بأمس الحاجة اليوم إلى بلورة موقف موحد تجاه مستقبل الشعب الفلسطيني ودولته المنتظرة، وكيفية الحفاظ على حقوقه الطبيعية التي ضمنها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، في ظل استمرار الحكومة الصهيونية المدعومة أميركيا القيام بأعمال الاستيطان والقضم للأراضي الفلسطينية المحتلة والسيطرة على مناطق جديدة بالقوة.
الموقف السوري جاء ليعزز الموقف الفلسطيني في مطالبه المحقة بدولته، وليضع الأمم المتحدة والدول الكبرى أمام مسؤولياتها الإنسانية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني الذي عانى التشريد والظلم على يد المحتل الصهيوني الذي يمثل عامل التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
m.a.mustafa@mail.sy