وتنفيذ بضع ضربات جوية لينتهي الامر وتوضع الكعكة على الطاولة للتقاسم. لكن الميدان وبعد مضي نيف واربعة اشهر على اول ضربة جوية نفذتها طائرات الاطلسي على مواقع ليبية كذب التوقعات حتى الان. وبات شبه يقين بان الحسم العسكري لاقتلاع القذافي امر ميئوس منه في الواقع الراهن لاسباب عدة اهمها:
- اتقنت قوات القذافي لعبة الكر والفر في مواجهة مسلحي المجلس الانتقالي المشتتين تنظيميا والمحدودي الخبرة والتدريب والتسليح، في الوقت الذي ظهر بوضوح ان القذافي لم يتأثر كثيرا بقرارات الحصار ومنع التسلح بعد ما نجح في حمل دول افريقية وعربية على دعمه خاصة انه اظهر لها ان في دعمه ومنع نجاح خطة الناتو في اسقاطه مصلحة لها ولانظمتها.
- لا يستطيع الحلف الاطلسي الخروج بسهولة عن المفهوم الاستراتيجي الذي اعتمده في لشبونة في العام 2010 وان يفتح جبهة حرب جديدة في الوقت الذي قرر اغلاق الجبهات القائمة وتصفيتها بشكل لا يؤذي معنوياته، الامر الذي يعني ان التدخل البري الاطلسي في ليبيا سيبقى مستبعداً.
- ان مجلس الامن عاجز عن اتخاذ قرار التدخل العسكري البري في ليبيا بسبب الانقسام الحاصل فيه وان القرار 1973 هو كما يبدو القرار الاخير الذي صدر او سيصدر بشأن المسألة الليبية.
هذه الوقائع ادخلت الناتو في حالة من الاحباط الذي لم يعد ممكنا اخفاؤه ،و انقلب الاحباط الى تشتت في المواقف من المسألة الليبية الى الحد الذي بدا التناقض ظاهرا خاصة بين اميركا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا، تناقض حمل البعض على العودة عن قراراته ومواقفة المتطرفة السابقة ضد معمر القذافي وقبل بالحوار والاتصال به ، واعترف الجميع علانية او ضمنا بالمأزق الغربي في ليبيا وباتوا يؤكدون ان الحل السلمي هو الطريق المتاح الوحيد للازمة هناك، وهو اعتراف بالاخفاق العسكري الذي سيكون له تداعيات تتعدى الساحة الليبية لتصل الى البلدان العربية الاخرى التي تشهد تحركات شعبية متعددة العناوين تداعيات نراها في:
1) سقوط ورقة القوة او التدخل الغربي في الساحات العربية لنصرة هذه الجماعة او تلك ممن حركها الغرب في وجه انظمتها او سارع لاحتواء حركتها للتحكم بمستقبل البلاد...
2) احباط لدى القوى التي راهنت على الغرب لتنصيبهم حكاما واقامة الانظمة التي تحقق المصالح الغربية فيها.
3) تقييد مجلس الامن الدولي في تكرار التجربة الليبية بمنح اي جهة دولية الحق بالتدخل العسكري ضد الانظمة القائمة.
4) اظهار محدودية فعالية التهديد بالمحكمة الجنائية الدولية، واجهاض ما ترتب من نتائج سابقة تجلت خاصة في السودان حيث كانت ملاحقة البشير عامل ضغط رئيسي للسير في الطريق الذي انتهى الى تقسيم السودان.
ومع هذه النتائج ستجد الساحات العربية التي ما زالت مسرحا لتحركات شعبية نفسها محكومة بمسار من ثلاثة مسارات:
1- حوار بين الانظمة وشعوبها يفضي الى اصلاح داخلي وتطوير للانظمة القائمة بما يستجيب للاغلبية الشعبية ويقنعها بجدية الاصلاح ونجاعته الامر الذي يحملها على احتضان الحركة الاصلاحية وتوفير سبل نجاحها.
2- انقسام الحركات الاحتجاجية بين قابل بالحوار وعامل على الاصلاح السلمي والتطوير الهادئ للنظام ورافض له وساع الى التغيير بالقوة والعنف وهنا يكون على النظام الفرز في التعامل بين احتضان الفئة الاولى والمعالجة العسكرية للفئة الثانية.
3- اعراض كلي عن الحوار وعجز اي من الفريقين على الحسم ما يؤدي الى استمرار الفوضى المترافقة مع العنف المستتبع للمعالجة الامنية العسكرية البحتة خاصة دون سعي للتغيير او الاصلاح الامر الذي سيؤدي الى الاستمرار في حالة الفوضى وعدم الاستقرار وسيكون في هذا انهيار الدولة حتما ووضعها امام المجهول القاتم.
و بديهي القول بان الاصلاح المترافق مع معالجة بؤر الارهاب والعنف المسلح ،هو افضل الخيارات، اما الاصلاح من غير استعادة للامن فانه لن يكون ذا جدوى ولن يريح المواطن، ولا يقل عنه سوءا الحل المتمثل بالخيار الامني والعسكري دونما اصطحابه بعملية تطوير واصلاح كافية، ولكن المشكلة في الاختيار تبقى قائمة في تبعية بعض الاطراف للخارج وارتهانها له فهل ستملك هذه الفئات الشجاعة لوقف التعامل مع الاجنبي والانخراط في حل وطني لا يكون للغرب يد في بلورته.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي