لموضوعع: اقتصاد السوق الاجتماعي في الرأي الأكاديمي( 1 من 2)... هل يخرجنا من مبدأ الأواني المستطرقة أم ندخله حالة التوازنات المغلقة?
المؤلف: ميساء العلي -معن عاقل
المكان:
المصدر:
التصنيف: مراسلون وتحقيقات
التاريخ: الاربعاء 3/8/2005
الرقم: 12772
الملخص: في البداية, كنا نعتقد أننا سنتناول مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي من زاوية نظرية, مفهوما ومنهجا, لكن مع توارد الآراء اكتشفنا أن أهمية هذا التناول تأتي من مجموعة تناقضات تطال الآراء فيما بينها أولا, وتكتنف الرأي الواحد ثانيا, بل إننا لمسنا لبسا وغموضا وحتى تشوشا في تناول هذا التعبير- اقتصاد السوق الاجتماعي- لدرجة أن تلك الآراء كادت تقنعنا أن علم الاقتصاد هو علم تنجيمي بامتياز..
لكننا سرعان ما استعدنا ذاكرتنا وما تعلمناه, لنؤكد لأنفسنا أنه علم تجريبي تغتني نظرياته ورؤاه بالتجربة العلمية المستمرة.. وليس أدل على ذلك من أن بعض الدول تخطط لإدارة اقتصادياتها لعشرات السنين القادمة.تاريخياً, ومنذ انتصار الثورة البلشفية في روسيا, تبلور نظامان سياسيان واقتصاديان في العالم, أحدهما اشتراكي يتبع أسلوب التخطيط المركزي ويعتمد على الملكية العامة لوسائل الإنتاج وفيه تلعب الدولة دور رب العمل والثاني رأسمالي يتبع عموما أسلوبا ليبراليا ويعتمد على اقتصاد السوق والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتلعب فيه الدولة دور المنظم للعمليات الاقتصادية وتكون غالبا معبرة عن سياسات القوى الاقتصادية وتخضع لتجاذباتها سياسيا.
بين هذين النمطين الاقتصاديين, نشأ خط ثالث زاوج بين الاثنين سياسيا واقتصاديا مبررا ذلك بخصوصيته وأقلمة النماذج مع الواقع, وانتشر هذا الخط عموما في بلدان العالم التي أطلق عليها حسب زاوية الرؤية الثالث أو النامي أو المتخلف, فتبنت القومية إلى جانب الاشتراكية والتأميم والقطاع العام إلى جانب القطاع الخاص, والتخطيط المركزي إلى جانب الليبرالية الاقتصادية..وتأسست بحسب نسبة الصبغيات, أطياف وتلاوين من التجارب المتنوعة.
مع ذلك, فإن النموذجين الأصليين في حركتيهما التاريخية لم يحتفظا بنقائهما السياسي والإيديولوجي والاقتصادي, وهكذا, نتيجة أزمة النظام الرأسمالي (في مرحلته الإمبريالية وفق الرؤية الاشتراكية) تشكل مفهوم الرأسمالية الاجتماعية, لاسيما في بريطانيا, واضطرت الدولة للخروج من الأزمة التي يخلقها النظام الاقتصادي إلى اقتطاع حصة من الناتج القومي ومن أرباح الرأسماليين ووزعتها على العاطلين عن العمل, وفي بلدان أخرى مثل فرنسا عمدت إلى احتكار بعض القطاعات, أو تأسيس قطاعات حكومية موازية للقطاع الخاص, لضمان عدم احتكارها ولنزع فتيل الأزمات الاجتماعية, كقطاع الصحة والتعليم وغيرهما.. الخ.
كما أن النظام الاشتراكي استعار بعض آليات السوق أو الأصح استنسخها وذلك لإيجاد متنفس لرؤوس أموال تراكمت بأيدي البيروقراطية الحاكمة وبالتالي ضمان إمكانية حركتها, فأنشأ أسواقا سوداء واستفاد من حالة الاقتصاد المغلق ليقوم بأنشطة هامشية نمت واتسعت وشكلت مراكز قوى اقتصادية زلزلت أركان النظام الاشتراكي نفسه.
قرارنا السياسي بالتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي حسم, لكن أي اقتصاد سوق اجتماعي سنتجه إليه?
هل هو اقتصاد اجتماعي مؤقت وانتقالي نحو الخصخصة والانفتاح?
هل هو اقتصاد تنافسي يضع القطاع العام أمام تحديات التطور وإعادة الهيكلة? هل هو اقتصاد مخطط لامركزي?
هل هو اقتصاد ليبرالي حر تلعب فيه الدولة دورا تدخليا أثناء الأزمات?
هل هو منظومة اقتصادية متكاملة? ما مصير الاشتراكية في ظل هذا التوجه?
أسئلة لاحصر لها بحاجة لمن يجيب عليها. الواضح من خلال بعض الآراء التي استخرجناها أنه ليس هناك رؤية متبلورة وواضحة لماهية اقتصاد السوق الاجتماعي والواضح أيضا أنه لاتوجد نظرية أو مبدأ ينظم الخطوات العلمية للاتجاه نحو مثل هذا الاقتصاد..
هذا يعني أننا نسير في طريق التجريب وهذا قد يفضي بنا في النهاية إلى إعادة قوننة خطواتنا العملية.. وحتى ذلك الحين, من سيضمن لنا النتائج.?
د. الحمش: ضرورة الموازنة بين المنهج والتطبيق
- يقول الدكتور منير الحمش: إن اقتصاد السوق الاجتماعي لايتناقض مع مفهومنا للتنمية الشاملة, بمعنى الحفاظ على قرارنا الاقتصادي والسياسي المستقل, دونما دعوة للانعزال أو التقوقع, إنما التفاعل والتعامل مع ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية من موقع الندية والمساواة, شريطة عدم السماح لعناصر الاقتصاد الحر بالتغلب وأن نظل محافظين على التوازن الضروري بين مختلف العناصر وبين السوق وآليات التخطيط ومقتضيات التنمية الشاملة..
وأضاف الحمش: لم تحسم مسألة الصفة الاجتماعية للاقتصاد السوري تماما, فالحسم كان على مستوى القرار السياسي, ولكن ما يحسم الأمر فعلا هو الإجراءات والسياسات على أرض الواقع..
والأهم من ذلك أن يكون هناك وضوح الرؤية والتصميم والإرادة لمنع تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تحكمه فوضى السوق ومصالح القلة والفساد.. ويجب أن يكون الانتقال تدريجيا ليحمي المجتمع من الهزات لا سيما وأن الاقتصاد السوري مختلط تغلب عليه عناصر الاقتصاد الحر مع وجود لدور الدولة.. والدولة القوية وحدها تستطيع إنجاز التنمية الشاملة وصيانة القرار الوطني المستقل.
وشدد الحمش على أهمية إيجاد النظام الملائم للمزج بين التخطيط وآليات السوق لضمان العمل للجميع بشروط مقبولة اجتماعيا, وأكد على استبعاد فكرة النموذج, أي أن ما نجح في بلد معين, في ظل ظروف معينة, ليس بالضرورة أن يصلح في بلد آخر ويمكن استخلاص دروس من تجارب الأمم الأخرى لمعالجة مشكلات مشابهة عندنا.. مشيرا إلى ضرورة الموازنة بين المنهج والتطبيق, بين النظرية والواقع. وعدم الغرق في التنظير أو السقوط في براثن الواقعية.
د. حبيب: اقتصاد السوق الاجتماعي هو منظومة ثالثة
- الدكتور مطانيوس حبيب رأى أن هوية الاقتصاد السوري لم تحسم مؤكدا أن الأمر لايحسم بشعار وأننا بحاجة لإعلان فهمنا للمقصود بالاقتصاد الاجتماعي.
وقال حبيب: إن اقتصاد السوق الاجتماعي ليس مرحلة انتقالية للوصول إلى اقتصاد السوق الحر, بل هو منظومة ثالثة تقول إن الدولة لن تستقيل من مهامها الاقتصادية أوالاجتماعية, وتمارس دوما هذا الدور لتشجيع القطاع الخاص والمبادرات الفردية كي تلج في القطاعات والأنظمة الاقتصادية, فنحن نريد أن نبني اقتصاد سوق اجتماعي كنظام وليس كمرحلة انتقالية, لكن ما نحتاجه هو توضيح هذا المفهوم, ولا أريد أن أستخدم تعبير التوجه إلى اقتصاد السوق, بل قوننة السوق القائمة في سورية اجتماعيا وكيف نجعلها لاتتعارض مع الأهداف الاجتماعية, واقتصاد السوق ليس تغليبا للجانب الاجتماعي على الاقتصادي, بل هو جعل الاقتصادي في خدمة الهدف الاجتماعي وجعل الجانب الاجتماعي في خدمة بناء الاقتصاد.
وأضاف حبيب: اقتصاد السوق الاجتماعي هواقتصاد المبادرات الفردية المدعومة من قبل الدولة مادام اقتصاد القطاع الخاص جزءا من الاقتصاد الوطني والحكومة في هذا النظام تعمل على سد ثغرات اقتصاد السوق بالتدخل المباشر لتحقيق التوازن الاقتصادي ودغم عملية التنمية وتتدخل في عمل السوق لتأمين التوازن الاجتماعي وتحقيق شروط العدالة والمساواة في الفرص والأجور ويتطلب الأمر عدم تغليب الجانب الاجتماعي كما سبق وفعلنا فخسرنا المعركتين, بل أن يكون الجانب الاقتصادي في خدمة الاجتماعي وبالعكس, أي أن يؤسس اقتصاد السوق الاجتماعي لعقد اجتماعي جديد.
د. سليمان: الأسواق القوية تولد في أحضان دولة قوية
- أما د. حيان سليمان فرأى أن الأمور يجب ألا تترك لاقتصاد السوق الليبرالي أوالعفوي الذي تذهب ضحيته دوما الغالبية العظمى من السكان مؤكدا أن اقتصاد السوق الاجتماعي هو مزيج بين آلية سوق معتمدة على العرض والطلب من جهة وتدخل الدولة العقلاني الاقتصادي وتحولها من جهة وصائية إلى جهة تنموية من جهة ثانية وأن تتحمل كامل المسؤولية كأي رب عمل, إضافة إلى وجود خطة استراتيجية يعبر عنها ببرنامج زمني.
وأشار سليمان أن اقتصاد السوق الاجتماعي يسجل بداخله أركان العمل الثلاثة, الدولة وأرباب العمل والعمال, وهناك تناغم كبير بين اقتصاد السوق الاجتماعي من جهة والتخطيط من جهة أخرى وأكبر دليل أن أنجح المخططين هم في الشركات العابرة للقارات, وما القول بتناقض التخطيط مع اقتصاد السوق إلا بدعة اخترعها البعض, منوها أن اقتصاد السوق الاجتماعي يركز على التنافسية لأن هناك ثلاثة أسئلة محورية في صلب هذا النظام وهي بماذا أنتج? كيف أنتج? لمن أنتج وهي أسئلة ضرورية لاستمرار أية منشأة في السوق, ومؤكدا على أهمية عدم الأخذ بمقولة وجود يد خفية, تنظم العمل في اقتصاد السوق الحر, بل على العكس, هذه اليد الخفية تدمر الموارد دائما, فنحن نريد يدا تعمل للصالح العام والمؤشر الذي يعمل للصالح العام هو الدولة, لذلك اقتصاد السوق يتطلب دولة قوية فالأسواق القوية تولد في أحضان دولة قوية.
من يستطيع صياغة رؤية واضحة وبرنامج تطبيقي لاقتصاد السوق الاجتماعي?
- ركز الدكتور منير الحمش على مسألة التوازن بين السوق والتخطيط والتنمية الشاملة وربط اقتصاد السوق الاجتماعي بالحفاظ على قرارنا الاقتصادي والسياسي المستقل.
لنلاحظ كيف جمع د.الحمش مجموعة متناقضات بطريقة توفيقية: السوق يتطلب التخفيف إلى الحد الأقصى من تدخل الدولة, التخطيط يتطلب تدخل الدولة, التنمية الشاملة تتطلب سيطرة الدولة على الاقتصاد وقيامها بالتخطيط المركزي.
ومع ذلك, طالب الحمش بوضوح الرؤية والتصميم والإرادة لمنع تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تحكمه فوضى السوق ومصالح القلة والفساد.. والسؤال هنا ما الذي يحكم الاقتصاد السوري الآن: هل هو تنظيم السوق ومصالح الكثرة.. وهل الفساد مرتبط باقتصاد السوق.. يعني أيهما أكثر فسادا: الأنظمة الاقتصادية الليبرالية أم المغلقة?!
يقول الحمش: الدولة القوية وحدها تستطيع إنجاز التنمية الشاملة..
فماذا يقصد بالدولة القوية?! كانت الدولة السوفيتية قوية ومع ذلك انهارت هي واقتصادياتها مع أنها أنجزت في بلدانها إلى حد ما نوعا من التنمية الشاملة, وصانت إلى حين من الزمن قراراتها الوطنية المستقلة!!!
واعتبر د.مطانيوس حبيب اقتصاد السوق الاجتماعي منظومة ثالثة, وليس مرحلة انتقالية للوصول إلى الاقتصاد الحر, وبرأيه اقتصاد السوق هو جعل الاقتصادي في خدمة الهدف الاجتماعي وجعل الجانب الاجتماعي في خدمة بناء الاقتصاد.
والواقع أننا في سورية عشنا لعقود من الزمن ونحن نضع الجانب الاقتصادي في خدمة الهدف الاجتماعي, بل إن الأوضاع تزداد سوء ا بسبب تحمل الاقتصاد للكثير من الأعباء التي تصب في خدمة الأهداف الاجتماعية, فمثلا الكثير من مؤسسات القطاع العام تخسر بسبب البطالة المقنعة التي تتخمها ومع ذلك تحافظ عليها خدمة لهدف اجتماعي.. وهكذا يعيد د.حبيب في وجهة نظره إعادة إنتاج المشكلة التي يسعى الاقتصادي السوري لحلها.
أما كيف سيكون الجانب الاجتماعي في خدمة الاقتصادي, فهذا ما يستدعي وقفة: هل يجب على المجتمع أن يدفع ضريبة تطور الاقتصاد?
هل عليه أن يتحمل البطالة والفقر في المراحل الأولى لبناء مؤسسات رابحة عامة وخاصة?
وهل عليه أن يدفع ضريبة المنافسة بين القطاعات المختلفة..?!
اقتصاد السوق الليبرالي أو العفوي الذي يذهب ضحيته دوما الغالبية العظمى من السكان, هذا ما قاله د.حيان سليمان, لكن تجارب اقتصاد السوق الليبرالي تؤكد رغم الاختناقات التي مرت بها على قدرتها على بناء اقتصاديات قوية ومنافسة, وأثبتت بالمعنى التاريخي أنها أقوى من الاقتصاديات الموجهة والمركزية.. والشواهد كثيرة..
- أعاد د.سليمان أيضا جمع المتناقضات قائلا بتوازن آلية السوق وعقلانية تدخلية الدولة والتخطيط والدولة كرب عمل.
أركان العمل الثلاثة التي ذكرها د.سليمان موجودة في كل الاقتصاديات وما يحدد النموذج الاقتصادي هو كيفية وجود كل ركن منها وهي ليست حكرا على اقتصاد السوق الاجتماعي.
خلط د.سليمان بين التخطيط على مستوى الشركات وبين التخطيط الاقتصادي على مستوى الدولة والمجتمع, كما خلط بين الاسئلة التي تطرحها أية منشأة على نفسها بغض النظر عن النظام الاقتصادي الذي تعمل فيه, وبين الأسئلة التي يجب طرحها على النظام الاقتصادي.
أكد د.سليمان أن الأسواق القوية تولد في أحضان دولة قوية, والحقيقة أنه قلب المعادلة رأسا على عقب, لأن الوقائع تقول إن الدولة القوية تولد في أحضان دولة قوية, لأن دولة السوفييت كانت من أقوى الدول سياسيا وحتى اقتصاديا, لكن نمط التنظيم الاقتصادي والسياسي فيها انهار مع بداية انفتاحها على الأسواق العالمية, ولم تشفع له قوة الدولة في شيء.
د. العماش: الدولة حكماً وليست لاعباً في اقتصاد السوق
-قال د. حسين مرهج العماش إن المضمون الأساسي لاقتصاد السوق هو المتعارف عليه في الاقتصاد السياسي للدول ذات الاقتصاد الرأسمالي, وهي الآن المنهجية السائدة في معظم دول العالم تقريبا. ويرتكز في نظريته الأساسية على فعالية قوى وشروط الطلب وقوى العرض في تحديد قرارات الإنتاج والاستهلاك والتوزيع على المستوى الوطني. وهذا يعني أن الدولة استبدلت التدخل المباشر في إصدار القرارات الإدارية للإنتاج وللاستهلاك بالآلية غير المباشرة في إطار آلية الأسعار وقوى المنافسة بين المنتجين من جهة وبين المستهلكين من جهة أخرى, وتحت المراقبة الدورية الاجتماعية والاقتصادية من قبل الحكومة.
وأضاف العماش إن اعطاء هذا المنهج صفة (الاجتماعي) يعطي دلالة سياسية للمرحلة الانتقالية الحالية, فهو تعبير يخفف معارضة العقائديين ومعارضة المتضررين إن وجدوا, ويعطى الحق للدولة في إضافة واقتراح برامج اجتماعية تخفف من انحراف السوق, إن وجدت, مؤكداً ان الانتقال من اقتصاد يوصف بأنه (اشتراكي) ضمن مناخ سياسي وفكري واجتماعي قائم منذ 40 عاما إلى (اقتصاد السوق) سيعني تفكيك علاقات الإنتاج والاستهلاك ونشوء طبقات اقتصادية جديدة ربما غير السابقة.
وربما أهم معنى لإضافة كلمة (الاجتماعي) إلى اقتصاد السوق هو الخوف من وحشية قوى السوق, كما يتصورها بعض السياسيين أو بعض المعارضين, على الفئات الاجتماعية الضعيفة. وهذا سيعني ضرورة إنشاء أو تقوية شبكة حماية اجتماعية بديلة, ولكنها أكثر كفاءة لمعالجة موضوعات مكافحة البطالة وتامين فرص العمل والتامين ضد البطالة, وتخفيف الفقر وزيادة مستوى الدخل, وتحسين توزيع الثروة ضمن قواعد عادلة, وترشيد الدعم إلى مستحقيه الفعليين فقط وتدعيم الاستثمار الاجتماعي في التعليم والصحة.
وأشار العماش إلى أن نجاح اقتصاد السوق في سورية, سواء المطلق أو الاجتماعي, يتطلب توفر مناخ سياسي وقانوني مناسب يتمثل في تبني برنامج للإصلاح السياسي. ولعل من أهم شروط هذا المناخ ضمان الشفافية التامة في إجراءات التحول الاقتصادي, وان تضمن حيادية القوى السياسية الحالية في إجراءات الانتقال وعدم إنجازها لتغليب شريحة اجتماعية أو اقتصادية خارج إطار المنافسة المفتوحة والمحاسبة السياسية والاقتصادية. وبالطبع فان الإصلاح السياسي سينجم عنه التعددية السياسية والفكرية, والديمقراطية التي تحددها صناديق الاقتراع, وهي أمور تساعد على فعالية اقتصاد السوق في تحقيق التنمية الاقتصادية.
وأوضح العماش أن خيار التنمية في اقتصاد السوق هذا سيعطي نتائج أفضل اقتصاديا واجتماعيا وذات قدرة على الديمومة والمنافسة داخليا وخارجيا إذا ترافق مع صدور تشريعات وقوانين مرنة وهامة تعزز من خصائصه. ومن أهم هذه القوانين: منع الاحتكار بين المنتجين في القطاع الخاص والعام, ومنع الغش والإخلال بالمواصفات, ومراقبة الأسعار والتضخم والتدخل فيها بصورة اقتصادية وليس إدارية, وتطوير أدوات الدولة في الإدارة الاقتصادية لتكون قادرة على المراقبة والتقييم والتصحيح من خلال آليات السوق ذاته. وفي المقابل, تتطلب التنمية ضمن اقتصاد السوق من الحكومة تطوير الأنظمة والأدوات الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بصورة سريعة وشاملة, مثل: تحديث النظام المصرفي بكافة أنشطته, تطوير النظام الضريبي جذريا ليكون عادلا وكفوءا, تعزيز استقلالية القضاء وحياديته ونزاهته, وتطوير الإدارة العامة من حيث الهيكلية والرواتب والأجور وقوانين العمل.
واختتم د. العماش : إن أهم قواعد اقتصاد السوق هو أن تكون الدولة حكما وليس لاعبا في قضايا الإنتاج والتوزيع. ولهذا فان أسلوب التدخل عن طريقة الخطة الخمسية بالمعنى الكلاسيكي للدولة لا يتناسب فكريا مع منهجية اقتصاد السوق. ولهذا فانه يوصى بدلا عنها بخطط تاشيرية عامة , وذلك للقطاعات الأكثر إنتاجية أو الأكثر حاجة. وهي بهذا ستكون قطاعات قاطرة للتنمية إذ ليس من الضرورة أن تنمى كافة القطاعات بذات السوية وفي وقت واحد, وإنما وفق اولويات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
د. الزعيم: الإشكالية هي في مضمونه وماذا نريد منه
- قال د.عصام الزعيم أن مفهوم اقتصاد السوق
الاجتماعي جاء متأخرا وكان ينبغي المبادرة إلى طرحه للنقاش قبل اتخاذ القرار السياسي بشأنه, معتبرا أن الشعارات مخيفة دوما وهي تنتشر وتعم لكن يصعب في الغالب ترجمتها إلى واقع, ونحن أمام حالة من هذا النوع.
وبالعودة إلى تاريخ مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي رأى الزعيم أنه يوجد نموذجان, الأول يعود إلى فترة الحرب الباردة وهو نموذج الدول التي اتبعت سياسات اجتماعية وحكمتها أحزاب اشتراكية والثاني هو نموذج ما بعد الحرب الباردة (نموذج الصين حاليا).
النموذج الأول بدأ منذ اختلاف لينين مع الاشتراكيين الديمقراطيين حول أسلوب بناء الاشتراكية, فارتأى هؤلاء أن المهم اقتحام جهاز الدولة والتعايش مع النظام الرأسمالي والتحكم به (أول أفكار اقتصاد السوق الاجتماعي) وتحقق هذا الشعار في الدول الرأسمالية الغربية.
ونتيجة الحرب الباردة, نشأت سياسات اجتماعية شملت العديد من البلدان الرأسمالية, أي أن العامل السياسي الاستراتيجي (صراع الشرق والغرب) أدى إلى نشوء سوق اجتماعي في بلدان مثل ألمانيا في عهد برنت والنمسا في عهد كرايسكي, وأيضا في فرنسا وبريطانيا, وبانتهاء الحرب الباردة, انفتحت الأسواق واحتدمت المنافسة, وهذا ما قلص الجزء المقتطع من الربح الرأسمالي لصالح المجتمع شيئا فشيئا, بمعنى أن الإنتاجية ترتفع وحصص العمال الاجتماعية تنخفض.
وأشارالزعيم أن مصاعب تطبيق نظام السوق الاجتماعي موجودة في أي نظام اقتصادي في العالم بسبب العولمة, وليس في سورية وحدها, وأن أي دولة ستضطر إلى أخذ المنافسة المحتدمة بعين الاعتبار, موضحا أن مشكلة سورية هي في اندفاعها في سياسات لم تدرك نتائجها.
وأضاف الزعيم أن الإشكالية هي مضمون السوق الاجتماعي وماذا نريد منه, فإذا كان الأمر يقتصر على اقتصاد سوق مع بعض التوابل الاجتماعية, فإن هذا يخرج عن المضمون المطلوب ولن نصل إلى ما نريد, لاسيما أننا فوتنا فرصا ثمينة للإصلاح وإعادة الهيكلة.
واعتبر الزعيم أن شعار اقتصاد السوق الاجتماعي إيجابي لكنه يحتاج إلى توضيح فكري وسياسات متجانسة.