لمعرفة الإجابة على تلك الأسئلة وغيرها كانت لنا الوقفة التالية مع أولياء أمور الأطفال ومع المرشدة النفسية ومن ثم مع الاختصاصي الاجتماعي..
مع أولياء أمور الأطفال
السيدة (آمنة) مهندسة تقول: عمر ابنتي حوالي ثلاث سنوات والأسئلة التي تطرحها على يارا تتجلى في الاستفسار عن الليل والشمس والقمر وتسأل عن أسماء النباتات وعن غذاء بعض الحيوانات وتسأل عن أعضاء وتفاصيل جسم الإنسان وعن سبب ذهاب الأطفال إلى المدارس بسبب ذهابي إلى العمل وكذلك تسأل عن الألوان.وتضيف قائلة: أحيانا كثيرة أتعب من كثرة الإجابة على أسئلتها ولكنني أضغط عليّ نفسي وأتصنع الهدوء ساعية لإقناعها.
السيدة (مريم) ربة منزل تقول: ابني في السنة الرابعة من عمره ويسأل عن كل ما يقع تحت سمعه وبصره وأنا أجيبه بالقدر الذي يتناسب مع عقله ودرجة تفكيره إلا أنني أرى نفسي أحيانا أمام أسئلة مركبة ومحرجة أحتار في طريقة الإجابة عنها.
السيدة (حنان) تربوية تقول: عمر طفلتي ثلاث سنوات تدور أسئلتها حول أفراد المنزل فتسأل مثلا أين أبي وأحيانا تسأل عن نفسها أين زينب?, وأنا لاأستغرب من ذلك لأنني أعلم بأن الأطفال في مثل هذه السن غالبا ما تتركز أسئلتهم حول ذاتهم. وتضيف:أحاول الردعلى أسئلتها ولكن عندما تكون متكررة أحيانا لاأكترث.
السيدة (جهينة) معلمة في إحدى رياض الأطفال تقول: يسألني معظم الأطفال عن الألعاب الموجودة في الروضة وعن العصافير التي تزين الباحة وعن موعد ذهابهم إلى البيت وعن موعد مجيء السيارة التي ستأخذهم إلى المنزل وغير ذلك من الأسئلة التي أقوم بالرد على جميعها بكل رحابة صدر لأن محبة المدرسة مستقبلا برأيي مرتبط بذهن الطفل بمدى محبته للمعلمة وعلاقته الحميمة بها.
السيد (ظافر) يقول: طفلي عمره خمس سنوات يسألني عن عمل الشرطي الذي يراه في الشارع وكذلك عن الجندي ومهامه فأحاول أن أجيبه بشكل صحيح وبسيط فأقول له إن الشرطي ينظم السير و الجندي يدافع عن الوطن. ويضيف قائلاً: إن ابني في كثير من الأحيان يسألني أسئلة مربكة فأقوم بإهمالها.
مع المرشدة الاجتماعية
وللوقوف على الطريقة المثلى في الإجابة عن أسئلة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة من العمر التقينا السيدة مريم الحسين المرشدة النفسية في ثانوية المعضمية حيث تقول: إن طرح الأسئلة من قبل الأطفال ليس إلا نوعا من السلوك الطبيعي الذي يسلكه هؤلاء الأطفال عندما يبدؤون الاحساس الواقع الذي يحيط بهم سواء كانوا أشخاصا أوأشياء أومشاهد مختلفة أخرى فمن الطبيعي أن يسأل الطفل وهذا يعتبر عاملا مهما في بناء شخصيته للمستقبل.
ومن الملاحظ اختلاف أسئلة الأطفال بين طفل وآخر تبعا للمؤثرات المحيطة به في العالم الخارجي وكذلك تبعا لنموه العقلي حيث يعد طرح الأسئلة شكلا من أشكال نمو التفكير العقلي عند الطفل لمعرفة الأشياء من حوله.
وهذه الأسئلة تختلف في بعض الأحيان وتلتقي أحيانا أخرى بين عدة أطفال ولكن المهم في الأمر هو أن نعطي هذه الأسئلة الأهمية اللازمة وعلى الأقل أن نجيب عنها وكأنها تصدر عن كبار ولانهملها فالإجابة عن تساؤلات الأطفال حاجة لتكوين شخصية الطفل ومساعدته على نموتفكيره العقلي ولاسيما بعد أن أثبت علماء التربية وعلم النفس أهمية السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل والتي تكثر فيها طرح الأسئلة على الأهل لذا ينبغي علينا الإجابة عن كافة الأسئلة بما يتناسب واستيعاب الطفل وأن تستخدم الإجابة عن كثير من التساؤلات في تعديل السلوك السلبي لدى الطفل إن كان هناك سلوكا سلبيا وأن نعزز لديه السلوك الإيجابي وأن نزرع في نفسه قيم تربوية مهمة مثل الصدق والأمانة والنظافة وحب أقرانه والاعتماد على النفس.
مع الباحث الاجتماعي
ما هو موقف الكبار من أسئلة الأطفال (المحيطين) توجهنا بهذا السؤال إلى السيد زهير خليل الباحث الاجتماعي حيث يقول: اعتاد الكبار من آباء ومعلمين أن يسعدوا بإجابات الأطفال التي تدل من وجهة نظرهم على أن أطفالهم قداكتسبوا القدر اللازم من المعرفة بالحقائق والمعلومات ولكنهم تعودوا في الوقت نفسه على عدم الاهتمام بأسئلتهم أو تجاوزها أو على الأقل الإجابة عليها إجابات متسرعة دون التأمل فيها أو التعرف على عناصرها الفكرية وأصولها العقلية.
ولابد من الإشارة إلى أن إهمال أسئلة الصغار والتهرب منها أحيانا ليس بسبب عدم معرفة أهميتها وجهل دورها النفسي والتربوي فحسب بل لأسباب أخرى منها شعور الكبير بغرابة سؤال الصغير أو بتفاهته أو عدم جديته ما يجعله لايهتم به أو يعيره التفاتا وهنا يقع الكبار في مطب تجاوز حقوق الصغار في التفكير بطرائقهم الخاصة التي تتميز بالبساطة والوضوح والمنطق العقلي البحت أحيانا والمنطق والواقعي أحيانا أخرى.
وهذا التجاوز يمثل شكلا من أشكال الديكتاتورية العقلية التي يتمسك بها الكبار ناسين أو متناسين أن الطفل يطلق سؤاله البسيط والساذج عن رغبة صادقة في المعرفة أو اكتشاف العالم الذي يحيط به بدافع من مثيرات خارجية في مواقف معينة فضلا عن الهدف النفسي العاجل لسؤاله وهو إعادة التوازن النفسي الذي يفقده في موقف ما.
وكذلك فإن إدراك الكبار لصعوبة السؤال الذي يطرحه الطفل حين يكون السؤال متصلا بجانب من جوانب المحرمات الاجتماعية أو الأخلاقية ضمن إطار ثقافي معين لايسمح بتناوله في سن معينة وحيرتهم أو عجزهم إزاء مثل هذه الأسئلة التي يلقيها الصغار هما مشكلتا الكبار ومن هنا وجب على الكبار أن يعدوا أنفسهم الاعداد الجدي الذي يساهم في الإجابة السليمة عن مثل هذه الأسئلة حتى لايسقطوا في الامتحان ويظهروا بالمظهر الذي لايتوقعه منهم الصغار.
وأحيانا تشكل كثرة الأسئلة التي يطرحها الأطفال وتلاحقها أو عدم انتظار الإجابة عنها سببا آخر من أسباب الإهمال الذي يبدو من الكبار ولو أدرك الكبار أهمية أسئلة الأطفال من الناحية النفسية لكان لهم موقف آخر وهو التشجيع حتى يستمر الأطفال في طرح أسئلتهم وكأنهم يفكرون بصوت عال.
وكذلك فإن من بين الأسباب التي تجعل الكبار لايعيرون أسئلة الأطفال القدر الواجب من الالتفات والاهتمام هو أن بعض هذه الأسئلة يأتي بصورة ضمنية ولايأتي بشكل مباشر.
وعن الموقف السليم الذي يجب أن يتخذه الوالدان تجاه أسئلة أطفالهم يضيف السيد خليل قائلا: يعتمد الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية اعتمادا كليا على الوالدين وعلى الأم بوجه خاص فعن طريقها يتعرفون على كثير من الحقائق والمعارف والمعلومات وهم وبهذا يحملونها مسؤولية أساسية نحو نموهم العقلي والاجتماعي والجسمي والصحي.
فالوالدان اللذان يصغيان لأسئلة طفلهما يشعرانه بمشاركته همومه وبإحترامه وتقديره وهذه المشاركة تعيد إلى الطفل توازنه النفسي واطمئنانه وثقته بنفسه.
وينبغي على الأهل توخي الصدق في الإجابة وذلك بأن يتحرى الآباء والأمهات الدقة في الحقائق العلمية التي يقدمونها لأطفالهم من خلال مفردات لغوية معروفة ومألوفة لهم وتبسيط هذه المعلومات في إطارها العلمي الصحيح والمحافظة على إطار المفردات التي تعود عليها الأطفال ولابأس من إضافة مفردات جديدة ولكن بحساب.
وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن لأسئلة الأطفال وظائف تكوينية هامة تتجلى في تحقيق التوازن النفسي لدى الطفل ومساعدته على التفكير الاستنباطي للتعرف على البيئة المحيطة به والتعرف على القيم الخلقية والسلوكية التي تقع داخل الإطار الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل.