هذه النكتة تعبر عن القلب العراقي الساخر من الغزاة الذين واجهوا قنابل (تاريخية) داخل قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى, التي افتتحت في اسكوتلندا شمال بريطانيا صبيحة التفجيرات في لندن.
وبعد الأحداث مباشرة, وقف قادة الدول الثماني المجتمعون في ادنبره أمام عدسات التلفزيون ليشجبوا الأحداث الدامية, وبالطبع كان من أبرزهم قادة أميركا وانكلترا.
لكن الملاحظ أن التصريحات انصبت على الحدث نفسه, وعلى شجب ظاهرة الارهاب الدولي دون التطرق على الاطلاق إلى الجوانب السلبية المهمة التي تحيط بالحدث.
لم نسمع احدهم يشير إلى ضرورة النظر في الأسباب الدولية والاقليمية والمحلية وراء ظاهرة هذا العنف, وكان كل هم القيادتين الأميركية والبريطانية هو اظهار التحدي المعاكس وسكب دموع التماسيح التي يتقنها القادة السياسيون في مثل هذه المناسبات.
وكان المضحك المبكي وصف الرئيس الأميركي لسياسة بلاده, كرد فعل للحدث بأنها ستكون سياسة الرأفة والاحسان تجاه الآخرين.
هكذا وبدون حياء توضع مذابح المدن العراقية التي هدمها جنوده على رؤوس أصحابها ومذابح فلسطين التي تمارسها الصهيونية يومياً بقوة السلاح الأميركي والتعاضد الأميركي معا ومذابح افغانستان التي تنزف بؤساً وخراباً.
توضع جميع تلك المذابح والتدخلات الأميركية اليومية في شؤون عالمين كبيرين على الهامش وكأنها لا دخل لها على الاطلاق بهذا الجنون الذي انفجر في لندن. فالحرب على الارهاب تقوم بالدرجة الأولى على العمل العسكري وقد تحقق نجاحاً جزئياً هنا أو هناك ولكنها تفتقد المقومات الضرورية لتحقيق النجاح الاستراتيجي.
هذا هو حصاد الحرب التي اعلنتها الولايات المتحدة الأميركية بعد أربع سنوات تقريباً. حصاد كانت محصلته الضعيفة معروفة قبل التفجيرات التي هزت العاصمة البريطانية أخيراً.
ولهذا السبب لا يستبعد حدوث ضربات ارهابية في أي وقت, وتكررت حالة التأهب القصوى في الولايات المتحدة وفي دول أوروبية أخرى منذ وقوع تفجيرات مدريد في 11 آذار عام .2004
وعلى الرغم من ذلك, احدثت اعتداءات لندن صدمة هائلة ربما تفرض على الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب ضد الارهاب اجراء مراجعة أكثر موضوعية للنتائج التي حققتها هذه الحرب بمنأى عن الخطاب الحماسي الذي ترتاح إليه إدارة بوش.
وإذا كانت الحرب على افغانستان حققت نجاحاً جزئياً, فقد اخفقت الحرب على العراق في اكمال هذا النجاح, بل قوضت أهم عناصره.
كان عنصر النجاح الرئيسي في الحرب على حكومة طالبان وقيادة شبكة -القاعدة- في افغانستان هو حرمان الارهاب من ملاذ آمن وفر له أرضاً وظروفاً مواتية للتدريب والتجنيد والتخطيط.
وأدى اسقاط حكومة طالبان وهرب قادة (القاعدة) وقتل واعتقال بعضهم إلى حرمان الارهاب من هذا الملاذ وكان هذا نجاحاً جزئياً.ولكنه اكتسب أهمية خاصة لأن ركائز شبكة -القاعدة- بنيت في افغانستان واستندت إلى ذلك الملاذ بل ارتبط اسمها بأول معسكر اقام اسامة بن لادن (للمجاهدين) خلال مرحلة الاحتلال السوفييتي.
لكن هذا النجاح ما كان له أن يتحقق من دون تفعيل دبلوماسية مواجهة الارهاب في ذلك الوقت فقد خاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب في افغانستان بدعم من المجتمع الدولي كله تقريباً.
والاعتداءات الارهابية على واشنطن ونيويورك خلقت تعاطفاً عالمياً نادراً مع الولايات المتحدة فكانت وحدة المجتمع الدولي عنصراً رئىساً فاقت اهمية العمل العسكري الذي كانت نتائجه محسومة سلفاً.
هذه حرب خاضتها القوة الأعظم التي تمتلك تكنولوجيا توجيه الصواريخ عبر الكمبيوتر ضد (دويلة) ينقل مقاتلوها المدافع على ظهر الحمير والبغال.
ولذلك اكتسب دعم المجتمع الدولي للولايات المتحدة في هذه الحرب غير المتكافئة أهمية فاقت العمل العسكري, ليس فقط على المستوى الرمزي ولكن أيضاً في الميدان ذاته.
وظهر ذلك في التعاون الدولي الواسع, بل الكامل تقريباً مع الولايات المتحدة في محاصرة رموز القاعدة وقيادتها الوسيطة والعناصر المرتبطة بها حول العالم وفي تجفيف منابعها ومواردها المالية.
وما أكثر أجهزة الاستخبارات التي وضعت ملفاتها وخبرتها تحت تصرف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السي -آي -أيه, اقتناعاً في الغالب الأعم وليس اضطراراً.
لكن اقطاب المحافظين الجدد في إدارة بوش لم ينظروا إلا إلى الجانب العسكري في الحرب على الارهاب.
لذلك اختاروا السير في الطريق الخطأ عندما وقفوا بين مفترق طريقين أو استراتيجيتين في بداية عام 2002 فقد ارتكبوا ثلاثة اخطاء جوهرية مترابطة.
كان الخطأ الأول والفادح هو اعطاء اسبقية مطلقة للعمل العسكري على ما عداه, بما في ذلك العمل الأمني الاستخباراتي فليس صحيحاً ما ذهب إليه كثير من المحللين من أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الارهاب اعتمدت على أدوات عسكرية وافية فالوجهة التي امضت فيها هذه الحرب بعد أن حققت هدفها المباشر في افغانستان ادت إلى فك الارتباط بين الفعل العسكري والعمل الأمني.
فقد جاء اختيار العراق هدفاً مباشراً بعد افغانستان ما ادى إلى فك الارتباط بين الفعل العسكري والعمل الأمني.
وكذلك جاء على حساب التعاون الذي كان قد اثبت فاعلية بين الولايات المتحدة وكثير من الدول في المجال الأمني الاستخباراتي.
فالدول التي لم تقتنع بوجود علاقة ضرورية لهذا الهجوم بالحرب على الارهاب اتخذت موقفاً متحفظاً تجاه التعاون مع واشنطن على الصعيد الأمني وعلى الرغم من أنه لم يثبت حتى الآن بدليل عملي أن هذا التحفظ كان له أثر في ضعف اداء أجهزة الاستخبارات والأمن الأميركية بشأن قضية أسلحة الدمار الشامل في العراق سيبقى هذا الموضوع للبحث والاستقصاء.
ولكن ثبت بالمقابل, أن عدم اقتناع دول عربية وأوروبية بمبررات الهجوم العسكري على العراق أثر سلباً في مستوى وفاعلية تعاونها الأمني مع واشنطن.
أما الخطأ الثاني الذي أدى إلى مفاقمة الأول من هذه الزاوية هو لجوء المحافظين الجدد في إدارة بوش إلى اسناد الحرب على العراق برؤية سياسية اثارت خوف بعض دول الشرق الأوسط, وفزع بعضها الآخر.
فلم يكن بإمكان مخططي الهجوم العسكري على العراق الاكتفاء بشعار الحرب على الارهاب هدفاً لهم فلا ركائز للارهاب في العراق حينئذ, كما أن وجود اسلحة دمار شامل في العراق كان مشكوكاً فيه.
ولذلك, فإن الحديث عن امكان وصولها إلى -القاعدة- لم يكن مقنعاً ولذلك كان على اركان إدارة بوش ايجاد هدف وسيط يربط بين الحرب على العراق والحرب على الارهاب فلجؤوا إلى اسقاط النظام العراقي السابق.
وارتكبوا خطأ فادحاً عندما جعلوا اسقاطه مقدمة لتغيير جذري في المنطقة يطول دولاً أخرى اتهموها بأن جمود وتخلف نظمها السياسية والاجتماعية والتعليمية يجعلها مفرخة للارهاب.
فكان من الطبيعي أن تقف هذه النظم ضد الحرب على العراق وأن تعيد في الوقت ذاته النظر في مستوى واتجاه تعاونها الأمني مع واشنطن بوجه عام من دون أن ترفضه أو تنسحب منه علانية.
يبقى الخطأ الثالث, وهو التقليل من أهمية مراجعة السياسة الخارجية الأميركية واعطاؤها بعداً إنسانياً تشتد حاجتها إليه.
وتزداد أهمية هذا الخطأ بالنظر إلى أن تلافيه كان يمكن أن يقدم لإدارة بوش هدفاً بديلاً عن تغيير المنطقة عندما شنت الحرب على العراق, ويعني ذلك أن تغييراً في سياسة أميركا الخارجية تجاه قضية فلسطين وقضايا الفقر والديون والبيئة كان يمكن أن يضع حرب العراق ضمن منظومة ترتبط برؤية إنسانية للعالم تفيد في الحرب على الارهاب.
لقد أراد الارهاب عندما اختار وقت انعقاد القمة للدول الصناعية الثماني الكبار أن يوجه رسالة مفادها أن الحرب عليه لم تحقق اهدافها.
وتخطىء واشنطن إذا لم تلتقط هذه الرسالة وتمعن النظر فيما يخصها منه, وهو ضعف فاعلية الاستراتيجية التي تتبعها في محاربة الارهاب.