سلسلة اصدارات في النقد الادبي وسلسلة الاعمال الكاملة وغيرها من الاصدارات الاخرى المتميزة والتي يمكن ان نقول انها عوضت وغطت على التقصير الذي حصل منذ فترة من الزمن) في سلسلة الاعمال الكاملة التي بدأتها الوزارة.
صدرت الاعمال القصصية الكاملة للاديب الراحل سعيد حورانية وهي الباكورة الاولى التي يصدر منها قريبا كما وعدت الوزارة, الاعمال الكاملة لكل من :فرانسيس مراش, علي الناصر, سنية صالح, حسيب كيالي,جورج سالم.
اللافت بداية في الاعمال القصصية للراحل حورانية من حيث الطباعة والاخراج الجمالية التي بدأت تعتمدها وزارة الثقافة, وبذلك استطاعت ان تزاوج بين الشكل والمضمون وبهذا تخطت مأخذا طالما تحدث عنه المتابعون لاصدارات الوزارة.
سعيد حورانية..
في المقدمة الجميلة والمتميزة التي كتبها الاستاذ محمد كامل الخطيب توقف عند محطات هامة في ادب سعيد حورانية, واشار الى علاقته معه وخلص الى القول: ان اضافة ( المستقبل) اي رؤية حركة الصراع ككل لا الاقتصار على جزئها الذي يراه الكاتب في حياته الشخصية او واقعه المحلي, اعطى سعيد حورانية بعدا واقعيا انسانيا, كونيا, شاملا, وجعل هذا العالم القصصي يخرج عن ان يكون مجرد عكس لمرحلة الخمسينات زمنيا, او لواقع الصراع الطبقي في سورية مكانيا. ان سعيد حورانية لم يقتصر على ان يرى ببصره مرحلة الخمسينات في سورية بل رأى ببصيرته ( مرحلة الصراع الانساني) ككل وكما يريد لها ان تكون وان تنتهي. وبهذا كان عالمه القصصي رؤية تاريخية قد تكون اكثر صدقا من عوالم قصصية اخرى اقتصرت على رؤية مرحلة زمنية معينة (جزء من الحركة ) فعممت هذا الجزء على الكل فكان عالمها القصصي كاذبا على الرغم من انه يبدو للنظرة الاولى واقعيا صادقا.
اما مناسبة اصدار الاعمال القصصية كاملة فهي كما يقول الخطيب الذكرى العاشرة لوفاته وتقديراً لفن القصة القصيرة في سورية, والاعمال هي:
1- وفي الناس المسرة 1952م
2-سنتان وتحترق الغابة 1964م
3-شتاء قاس آخر 1964م
اضافة الى حوار مهم يقدم فيه سعيد حورانية نفسه خير تقديم .
يفتح دفاتره..
في الصفحة 17 من الاعمال الكاملة ثمة عنوان بارز ولافت (اشهد اني قد عشت) وتحته تصدير بقلم الاديب حسن . م . يوسف ومحمود عبد الواحد يشيران فيه الى حكاية الحوار الذي يستغرق اكثر من ستين صفحة وقد فعلت الوزارة خيرا حين استهلت به هذه الاعمال, ومن هذا الحوار الجميل سوف نحاول ان نلم بخطوط عريضة قدمها واضاءها المرحوم حورانية.
يقول حورانية عن علاقته بالأسرة والبيئة والمجتمع.. بيئتي رغم تركيبتها الدينية لم تكن محافظة كانت بيئة دينية ثورية, كان بيتنا لا يبعد عن بيت الاشمر اكثر من خمسين مترا وكان ابي من اركان حربه ان صح التعبير ,صحيح ان ابي لم يحارب لكنه كان بمثابة المستشار للاشمر يجمع له التبرعات اثناء الثورة ويرسلها للثوار .. ومن الطرائف المتصلة بهذا الموضوع هو انني عندما تعلمت وصرت اعرف الخطابة في الصف السابع او الثامن كان الاشمر يرسل في طلبي عندما كان يأتيه وفد من الشام باعتبار ان حي الميدان كان ضيعة من الشام .. كان صوتي رفيعا وكنت ولدا أخطب برجال كل واحد له شارب يقف عليه الصقر, ولا اعرف بأي منطق كان كلامي مقبولا.
ويشير حورانية الى انه عاش حياة الغنى والفقر, ففي الكفاءة كنت البس بنطلونا عسكريا مرقعا من البالة العسكرية وقد بقيت ألبس ذلك البنطلون حتى نلت البكالوريا.
اما عن قراءاته فيقول:لكنني كنت اقرأ كثيرا, مما لا يخطر على بال ابناء هذا الجيل, ففي الصف السادس الابتدائي قرأت كتاب الاغاني للاصفهاني لان اخي كان طالب بكالوريا في اللاييك ( معهد الحرية الآن) وكانت الاغاني من مراجعهم اضافة لمجموعة من كتب التراث الكبيرة مثل خزانة الادب.
ويعترف حورانية انه عام 1947م انتسب الى جمعية ارهابية متدينة لا علاقة لها بالاخوان المسلمين, اما اهدافها فكانت تدمير الممتلكات العامة لأن الامة كافرة, وقد كلف بمهمة الذهاب الى مجمع الترامويات بالقابون ليضع قنبلة تحت احد التراموات..لم يعرف كيف يستخدم القنبلة فتحها ورماها-كما يقول- تحت الترام فلم تنفجر ربما بسبب الرطوبة..
اما عن التحول الثاني في حياته فكان بسبب إقباله على قراءة مكتبة الحزب الشيوعي المنهوبة والمقدمة اليه من قبل احد الزعماء المتدينين, ويعترف انه بعد ان قرأت اسس اللينية سكرت لأول مرة في حياتي سكرة قاتولية وحملت الى بيتنا حيث اكلت قتلة غير معقولة من ابي ..سكرت! البارحة كنت رجل دين واجتمع مع كبار رجال الاحزاب الدينية واليوم اجيء سكراناً الى البيت ..!
وعن البدايات في الكتابة يقول: وهكذا بدأت اكتب قصصا طبقية ونشرت في مجلة الجامعة عدة قصص من هذا النوع, وهكذا انتقلت من الدينية الى الطبقية, لكن حتى في الدين توجد الطبقية.
اختيار القصة
واجابة على السؤال التالي: لماذا اخترت القصة بالرغم من انها فن جديد في بلدنا لا جذور له بالمعنى الحديث لكلمة قصة, يقول حورانية:
هذا سؤال تصعب الاجابة عليه الى حد ما .. في البداية كتبت شعرا ربما بتأثير شوقي بغدادي ونشرت شعري في النقاد والرسالة والاديب لكنه كان شعرا رديئا باعتبار انه وسط اما القصة فصداقتي بها ترجع لما قبل ذلك , فجذوري في البيت كانت جذورا قصصية بالاساس ففي كل اسبوع كان يجتمع في بيتنا عدد من المسنين والمشايخ, وكنت ادعى لاقرأ لهم سيرة عنترة وتصورني ذلك الولد الصغير الحجم الضئيل الجسم الرقيق الصوت, ادعى لأقرأ سيرة عنترة بل كنت القارئ الرسمي منذ السرتفيكا الى الكفاءة, وعندما كان يأتي دور عنترة في الكلام كان ابي يقول لي ضخم صوتك يا بني ضخم .
الادب والحياة
يقول حورانية لقد كتبت مرة مقالة اقول فيها ما معناه والله لن تفهموا الحياة الا اذا درستم فهيمة العرجاء وصلاح السمان وابو علي البوسطجي الذين يسكنون الى جواركم.. من اين يأخذ ا لكاتب مادته اذن ..? فالقصة موضوعها الواقع والحياة والبشر وهذه هي خصوصية القصة التي تميزها عن الشعر جانب الذات في الشعر هو الصوت الاقوى اما الجانب الاخر في القصة اقوى, ولهذا لا يكتب الروائي احيانا رواية جيدة الا بعد ان يتجاوز الاربعين وذلك بعد أن يكون قد جرب الحياة وخبرها اما الشاعر فيمكنه ان يكتب شعرا يطير العقول وهو في السادسة عشرة من عمره كما فعل رامبو مثلا ..
كلمة اخيرة
هذه الخطوط العريضة هي اجتزاء قد لا يكون موفقا - من الحوار السابق -الذكر وهو بمثابة اضاءة حقيقية لسيرة وحياة هذا المبدع وفيه آراء متميزة في الفن والحياة, اما عن دوره في تأسيس رابطة الكتاب السوريين ودورها في الحركة الادبية في منتصف القرن الماضي فيمكن العودة الى الكتاب النقدي الصادر ايضا عن وزارة الثقافة وهو ( القصة القصيرة في اعمال رابطة الكتاب السوريين) وهو للاستاذ محمد عبد الواسع شويحنة وقد صدر في سلسلة النقد الادبي .