تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مقاييس التقييم بين الاستقلال والخضوع

شباب
2011/8/1
ارم ديوب

يبدأ الإنسان منذ الصغر بتكوين انطباعاته عما يحب ويكره؛ ومع التقدم في مراحل العمر تزداد انطباعاته وأفكاره تعقيداً واستقلالاً عما يكتسبه من مقاييس

الحكم والتقييم السائدة في بيئته. وباختلاف المؤثرات والظروف التي يمر بها الفرد خلال مراحل حياته, تختلف نسبة ما هو خارجي ومكتسب من الآراء ومقاييس تقييم الأمور إلى نسبة ما يكوّنه من أفكار وانطباعات بعيداً عن تأثير بيئته ومجتمعه. من البديهي أن تخضع المبادئ الجماعية وتقييمات الجماعة للتساؤل فلا بد أن يكوّن للفرد اختياراته وتقييمه الخاص عما هو جميل أو ناجح أو مقبول.‏‏

غالباً ما يبدأ الفرد في سن المراهقة برفض واستنكار عدد من الواجبات والمفاهيم المفروضة عليه ويغير مواقفه تجاه أمور كان قد تقبلها دون تساؤل. إن معظم تلك التغييرات في المواقف لدى المراهقين والشباب في عصرنا هي تغييرات نحو خضوع أكثر لما هو مقبول أو جميل أو ناجح وفق المقاييس الرائجة بين الشباب. فبالرغم من رغبة الشباب بالتحرر من قيم الوالدين والأسرة, فإن عدم قدرة الغالبية على تكوين مقاييسهم وأحكامهم الخاصة تجعلهم يتجهون بالخضوع نفسه إلى مقاييس جماعية أخرى. ويكون ذلك الخضوع نتيجة لتهميش قدرة عقولهم على المحاكمة والتقييم في الأسرة والمدارس والمجتمع.‏‏

-تلعب مقاييس الأسرة والمجتمع الدور الأكبر في اختيار كثير من الشباب من مجالات الدراسة الجامعية المتاحة. تقول ت.ا. طالبة متفوقة في قسم الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق: «غالباً ما يقول لي أقاربي شهادة أدب إنكليزي؟ ماذا ستفعلين بها؟ لماذا لم تدرسي الهندسة أو الطب أو الصيدلة؟ عليّ دائماً أن أثبت قيمة مجال دراستي لعائلتي التي يعمل معظم أفرادها في مجالات العمل الثلاثة الأهم في نظرهم. بالرغم من أن تحصيلي العام في مرتبة جيد (أعلى من 70%) وبالرغم من أنني أستمتع جداً في دراستي للأدب لكنني أشك في اختياري أحياناً.»‏‏

إن التحرر من القيم الاجتماعية البائدة هو الخطوة الأولى في سبيل بناء مقاييس منطقية وصادقة في الحكم على الأمور. فبدل أن يبدد الفرد طاقته الفكرية في الخضوع أو ممانعة الخضوع, يجب أن يبني منطقه وفقاً لواقعه ومعرفته لنفسه. إن الخطأ الأكبر هو فقدان الفرد القدرة على الحكم المنطقي والاختيار الصائب والواقعي, إذ تعيق تلك الثغرة قدرته على التغيير والتطوير في مجال عمله فيخسر المجتمع قدرة الشباب على الإبداع وابتكار الجديد.‏‏

-إن شعور بعض الشباب بعدم الثقة والخوف من عدم تقبل الآخر لهم والحاجة القلقة إلى الانتماء للجماعة قد يلعب دوراً في التأثير على مقاييس الجميل والمقبول. فتخضع شريحة من الشباب عند ارتياد الأماكن العامة إلى قيم تعامل وسلوكيات خاصة بتلك الأماكن. تقول شابة في الـ20 من عمرها: «هناك مجموعات من‏

الشباب والشابات الذين يملكون نمطاً معيناً من السلوك يبدو لي غير منطقي. فلا يعترض أحدهم مثلاً إذا طلب سائق الأجرة من أحدهم مالاً أكثر مما يستحق أو إذا لم يعد له السائق الباقي مما دفعه. ربما يوجد اتفاق ضمني ومجمع عليه أن فعل ذلك عيب. بالرغم من أن معظمهم ينتمي إلى الطبقة الوسطى, فإنهم يتعاملون وفق سلوكيات ضمنية صارمة لما يرونه مقبولاً وغالباً ما يتعبون منها لاحقاً ويصبحون أكثر عمليّة وصدقاً مع أنفسهم وإلى أن يصلوا إلى تلك المرحلة من الوعي فإن المستفيدين هم سائقو سيارات الأجرة ومالكو المقاهي وغيرهم ممن يعي ذلك الأمر ويستغله دون خجل. يجب أن يحكم الفرد على منطقية القيم المتداولة عند الجماعة وألا يقبل بأن يكون مجرد مستقبل وخاضع ومقلّد.»‏‏

-لم يزل تأثير برامج التلفاز والمذياع الموجهة للشباب في تزايد. تشترك معظم هذه البرامج بحذرها الشديد من أن تثقل الشباب بأي أمر ذي فائدة أو هدف ولا تقارب المواضيع إلا بسطحية واختصار خوفاً من أن يغيّر المتابع المحطة أو القناة, فتتبنى الإذاعة والتلفاز أسوأ مقاييس التقييم السائدة عند الشباب دون الإرادة في تحسينها أو التفكّر في سلبياتها. فمن السائد أن مفهوم الترفيه يتعارض مع تفعيل الفكر في نوعية جيدة من المواضيع وأن المراهقين يحبون مشاهدة ما هو صاخب وجامح وبعيد عن الواقع من البرامج والأغاني المصوّرة.‏‏

كلما كان أفراد المجتمع أقل تأثراً وأكثر استقلالاً في تكوين مقاييس حكمهم على الأمور, كلما اغتنى المجتمع من عقول أفراده النقية من شوائب التأثير السلبي الهدّام وكلما كان أفراده أكثر صدقاً مع أنفسهم ومع من حولهم. إذ لا يمكن المجادلة في أهمية قيم الجماعة التي لن تسمو دون عقول أفرادها التي تطور وتغير أفكارها وانطباعاتها لتلائم التغييرات والحاجات المتجددة. يمكننا القول إن أفشل المجتمعات وأبطأها تطوراً هي التي يخضع أفرادها للأنماط الجماعية وللتهميش التام للصفات الفردية والمميِّزة للأفراد.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية