تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دوستويفسكي أيقونة الرواية العالمية

ملحق ثقافي
2018/11/13
إعداد: رشا سلوم

تحتفل روسيا هذه الأيام بذكرى ولادة فيدور دوستويفسكي الذي كان يوم 11 تشرين الثاني من عام 1821. وبهذه المناسبة توقفت الكثير من المواقع والصفحات ووسائل الإعلام عند محطات من حياته،

وأدبه وإبداعه، ومن هؤلاء المترجم والناقد إبراهيم استنبولي الذي لخص مسيرة حياة الكاتب الروسي الأشهر بالقول:‏‏

كان دوستويفسكي الولد الثاني في عائلة من ثمانية أطفال. وكان يعاني منذ الطفولة من داء الصرع الصغير. وكانت النوبة تخلق لديه إحساسًا بالنشوة الروحية التي لا تقارن. لذلك كان يسعد لحدوث نوبة بل وكان يستثيرها في بعض الأحيان أو يتمنى حدوثها.‏‏

حكم عليه بالإعدام ثم خفِّف الحكم للسجن المؤبد. قضى أربع سنوات في السجن.‏‏

تزوج لأول مرة عندما كان عمره 36 سنة. وقد صمد زواجه الأول لمدة سبع سنوات. أما زوجته الثانية فكانت سكرتيرته آنّا التي كانت أصغر منه بخمس وعشرين سنة.‏‏

لم يكن لدى دوستويفسكي أطفال من زواجه الأول... أما زواجه الثاني فقد أثمر أربعة أطفال.‏‏

كان دوستويفسكي شخصًا مهووسًا بالجنس وبالنساء. وكان غيورًا وشخصية ارتيابية. ولذلك كان يمكنه أن يشعر بالغيرة من جراء أي تصرف تقوم به حبيبته أو زوجه.‏‏

كان معجبًا بكل من بوشكين والكاتب الفرنسي بلزاك.‏‏

لم يكن دوستويفسكي يحب الكاتب الروسي تورغينيف. وكان ينفر منه. وكان شغوفًا بالنساء بمن في ذلك المومسات.. وقد أقام علاقات مع مومسات كثيرات، وهذا ما أعاق زواجه واستقراره العائلي.‏‏

شغف بالقمار إلى درجة كبيرة، وكان متهورًا لدرجة أنه كان على استعداد لأن يقامر بآخر ما لديه. ولم يستطع التخلص من ممارسة القمار إلا بمساعدة زوجه الثانية آنا سنيتكينا.‏‏

أعجب نيتشه كثيراً بدوستويفسكي، وكان يعتبره أعظم كاتب في دراسة أعماق النفس البشرية.‏‏

أكثر ما كان يثير دوستويفسكي بشكل خاص هو الساقان الجميلتان الرشيقتان للمرأة.‏‏

حين توفي شارك في جنازته أكثر من 30000 (ثلاثين ألف) شخص.‏‏

كان دوستويفسكي هو البطل الذي صوّره الكاتب في كل من «الأبله» و»المقامر».‏‏

ويرى نقاد آخرون أن روايته الليالي البيض التي ترجمت الى العربية حديثاً من أهم الروايات العالمية فهي كتبت عام 1847 ونشرها في عام 1848. تحكي الرواية عن شاب حالم في مدينة بطرسبورغ قضى أجمل سنواته على الأحلام وعلى أمل الالتقاء يوماً ما في آخر الأمر بشخص ما، ذكرني هذا الإحساس بفيلم التضحية للكاتب والمخرج الروسي تاركوفسكي، في المشهد الأول يقول أحد الأبطال «قضيت حياتي كلها منتظراً شيئاً ما، طوال حياتي كان لدي ذلك الشعور بأنني أنتظر في محطة قطارات وكنت أحسّ دائماً أنّ كلّ الذي عشته لم يكن حياة حقيقية في الواقع، بل انتظار لتلك الحياة، انتظار طويل لشيء حقيقي لشيء مهم»..‏‏

أتساءل أي الأحاسيس أصعب أن تقضي حياتك في انتظار حياة أخرى، وأن تمر أجمل السنون وتشاهد نفسك كمحطة انتظار على أمل حدوث شيء ما، شيء يمنح حياتك المنتظرة والظامئة لشيء حقيقي مهم، أو أن تفقد الاحساس بالواقع، وتعيش داخل احلامك وتحيك شتى الحكايات والقصص، ويصل بك الأمر للاحتفال بالذكرى السنوية لتلك الأحاسيس الخيالية التي تتلاشى وتتطاير وتتحول إلى رماد وحطام في لحظات اليقظة الرهيبة وتكتئب مثل بطلنا هنا الذي اهتزت أركانه جراء لقاء تلك الفتاة العاشقة ناستينكا؟!!‏‏

يقول البطل:‏‏

وتسأل نفسك: أين هي أحلامك؟ وتهزّ رأسك قائلاً: كيف تمر السنون بسرعة! وتسأل نفسك ثانية: ماذا فعلت في هذه السنين التي مرتّ؟ وأين احتفظت بأفضل الأوقات لديك؟ هل كنت حيّاً هذه السنوات أم لا؟ أقول لنفسي: انظر، كيف يصبح العالم بارداً. وستمّر السنوات، وستأتي خلفها الوحدة الكئيبة، ومعها عكاز الشيخوخة المهتز, ويعقبها الحزن والشجن. وسيشحب عالمك الخيالي، وتتجمّد وتتلاشى أحلامك وتسقط، كالأوراق الصفر عن الأشجار... آه يا ناستينكا! أليس محزناً البقاء وحيداً، وحيداً تماماً، وليس لديك ما تأسف عليه – لاشيء... لأن كل شيء فقدته، كان لاشيء، كان غبياً، ولا يساوي شيئاً، كان كلّه مجرّد أحلام!‏‏

حينما أقارن تلك الأحاسيس: الانتظار والوحدة والتخلي عن الواقع والخيال لعالم آخر.. عالم نقي لا يشبه العالم الواقع، مع الانسان العادي مثلي أنا أو غيري، حين تمر علينا ساعات الوحدة والملل، فإننا نحاربها برصيد ذكرياتنا الرائعة من أحداث ومواقف وقصص حقيقية عشناها، أو من خلال زيارة مكان محبب أو مشاهدة صورة لذكرى قديمة، أو حتى إعادة قراءة كتاب مفضل، كل هذا كفيل بقتل تلك الكآبة، ولكن ما عزاء تلك الأرواح التي قضت أجمل سنواتها على الانتظار أو الخيال؟!! قتلني دوستويفسكي في هذه الرواية.‏‏

كان دوستو يفسكي إنسانياً في كل ما قدمه، وهو الذي يقول في ذلك:‏‏

«إنني أحب الإنسانية، غير أن هناك شيئاً في نفسي يدهشني: كلما ازداد حبي للإنسانية جملة واحدة، نقص حبي للبشر أفراداً... إنه ليتفق لي كثيراً أثناء اندفاعي في الأحلام أن تستبد بي حماسة شديدة ورغبة عارمة جامحة في خدمة الإنسانية، حتى لقد أرتضي أن أصلب في سبيلها إذا بدا هذا ضرورياً في لحظة من اللحظات. ومع ذلك لو أريد لي أن أعيش يومين متتاليين في غرفة واحدة مع إنسان، لما استطعت أن أحتمل ذلك، إنني أعرف هذا بتجربة، فمتى وجدت نفسي على صلة وثيقة بإنسان آخر أحسست بأن شخصيته تصدم ذاتي وتجور على حريتي، إنني قادر في مدى أربع وعشرين ساعة أن أكره أحسن إنسان. فهذا في نظري يصبح إنساناً لا يطاق لأنه مسرف في البطء في تناوله الطعام على المائدة، وهذا يصبح في نظري إنساناً لا يطاق لأنه مصاب بالزكام فهو لا ينفك يمخط، إنني أصبح عدواً للبشر متى اقتربت منهم... ولكنني لاحظت في كل مرة أنني كلما ازددت كرهاً للبشر أفراداً، ازدادت حرارة حبي للإنسانية جملة».‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية