تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الإقواء في الشعر العربي

ملحق ثقافي
2018/11/13
سلام الفاضل

ترك الشعراء للغة العربية وأبنائها تراثاً ضخماً، وثروة من المؤلفات القيمة، وقد تناولها العلماء بالشرح والدراسة.

ومما لا ريب فيه أن الشعر العربي يعدّ مصدراً كبيراً من مصادر اللغة والنحو، غير أن لغة الشعر لا تخضع أحياناً لأقيسة اللغويين ولهذا سمّوا الظواهر اللغوية الخارجة على هذه الأقيسة «ضرورات».‏

وقد اختلف الباحثون في تفسير ظاهرة الإقواء، فمنهم من نظر إليها على أنها ضرورة لغوية، ومنهم من جعلها ضرورة فنية.‏‏

وفي هذا الصدد يأتي كتيب (الإقواء في الشعر العربي) لمؤلفه د. مزيد نعيم، والصادر ضمن سلسلة «قضايا لغوية» عن الهيئة العامة السورية للكتاب للحديث عن هذه الظاهرة في الشعر العربي.‏‏

تعريف الإقواء، ونشأته، وأسبابه‏‏

الإقواء هو عيب من عيوب القافية في الشعر العربي، عرّفه أبو عمرو بن العلاء بأنه «اختلاف حركات الروي، فبعضه مرفوع وبعضه منصوب أو مجرور». وقال عنه أبو عمرو الشيباني بأنه: «اختلاف إعراب القوافي». أما الأخفش فعرّفه بقوله: «الإقواء رفع بيت وجر آخر». وذهب بعض الباحثين إلى أن الإقواء هو عيب موسيقي من عيوب القافية، في حين ذهب آخرون إلى أنه خطأ نحوي، ولعل من أبرز أسباب وجود هذا العيب حيثما رأينها في الشعر العربي هو تساهل الشعراء القدامى في تناوله، وتسمّح النقاد في قبوله، وعدم الاهتمام الكثير بتعقبه، أو تتبع من يقع في أشعارهم من أولئك الشعراء.‏‏

نسب الرواة الإقواء إلى النابغة الذبياني، وبشر بن أبي خازم في العصر الجاهلي، وأشاروا إلى أن ظاهرة الإقواء استمرت في الظهور في شعر الإسلاميين، والأمويين، وخفّ وقوعها عند الشعراء المحدثين الذين أولعوا بصقل أشعارهم، واعتدوا بجميع مظاهر الموسيقا يتأنقون فيها، ويحافظون عليها، وكان ذلك منذ العصر العباسي تقريباً، عصر الحضارة المزدهرة، والحياة الفنية الزاهرة.‏‏

الضرورة عند سيبويه‏‏

كان كثير من اللغويين لا يميل إلى تخطئة الشعراء الذين كان يضطرهم وزن الشعر وموسيقاه إلى مخالفة النظام اللغوي، سواء في بنية الكلمة أم في الإعراب. فإذا وجدوا في شعر شاعر ما خروجاً عن المألوف في القواعد، راحوا يلتمسون له المعاذير والحيل، ويتكلفون في التأويل والتخريج ما لا يحتمل.‏‏

ومن هؤلاء كان سيبويه الذي ذهب إلى أن الضرورة هي «ما يجوز في الشعر دون النثر، سواء أكان للشاعر عنه مندوحة أم لا». وترجع الضرورة عند سيبويه إلى أمرين هما:‏‏

•المشابهة بين شيئين وتقع في: (الحذف – الزيادة – (إن) وأخواتها – النداء – الترخيم – جمع التكسير).‏‏

•رد الأشياء إلى أصولها ويقع في: (الزيادة – جزم الفعل المضارع – الاسم المنقوص).‏‏

ولم يوافق بعض النحاة سيبويه على هذا الفهم للضرورة الشعرية، ولذلك ردوا رواياته في بعض الشواهد، وجاؤوا برواية أخرى، وذهبوا إلى أن روايتهم هي الرواية الصحيحة.‏‏

الشعر والضرورة‏‏

أطلق النحويون لفظة الضرورة على ما ورد في الشعر دون النثر مخالفاً للقواعد والأحكام التي أقروها طالما استطاعوا أن يجدوا تسويغاً لهذه المخالفة، ولهذا اختلفت آراؤهم في مفهوم الضرورة، فنجد أن بعضهم يحكم على بعض الأبيات بأنها ضرورة، على حين يحكم عليها بعضهم الآخر بأنها نادرة. وكان للذوق اللغوي أثر كبير في تفسير معنى الضرورة.‏‏

ويرى الدكتور أحمد علم الدين الجندي أن الضرورات ما هي إلا استعمالات لهجية قديمة، في حين يرى ابن جني أن الشاعر الذي يرتكب الضرورة ليس عاجزاً عن الإتيان بما ليس له ضرورة، بل هو شاعر قوي الطبع، وقد أعاد ابن جني ما جاء به إلى شجاعة العربية، إلا أن كلامه فيه الكثير من المبالغة، لأننا لا نستطيع القول إن كل شاعر ترد في شعره هذه الظواهر النحوية هو شاعر جيد الشعر، بل يمكن القول إن الظاهرة النحوية المخالفة في الشعر دليل قوة إن جعلها السياق كذلك، ودليل ضعف إن جعل منها السياق سبباً لذلك أيضاً، وقد تكون غير كاشفة عن شيء من هذا كله.‏‏

وقد نهي نقاد الشعر القدماء عن ارتكاب مثل هذه الضرورات لأنها قبيحة، ومن ذلك ما جاء من قول على لسان ابن طباطبا بأنه: «ينبغي للشاعر في عصرنا ألا يُظهر شعره إلا بعد ثقته بجودته وحسنه وسلامته من العيوب التي نُبه عليها، وأُمر بالتحرز منها»‏‏

وفي الختام يمكننا القول إنه في هذا المضمار لا بد من فصل لغة الشعر عن لغة النثر في التعقيد النحوي، لأن التسوية بينهما ظلمت الشعر بوجود ما يسمى ضرورة فيه، وظلمت النثر بفرض قواعد عليه لم تستعمل فيه.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية