وكل من لا يسير على النهج الذي يرسمه مصمم حضارة اليانكي والكاوبوي وأبو غريب وغونتناموا.
لقد قالت العرب:« ما هكذا تورد- ياسعد - الإبل» ونقول نحن اليوم عرب التصدي لكل من يرسم خارطة لنا من خلف الحدود ولايرغب لنا بدوام وحدة وسيادة وحدود: ليس من هنا الطريق إلى الحرية... والحرية ليست تقبل الوطن والأحرار... الحرية لاتفتح زهر الدم إلا بوجه غاصبي الوطن والأرض والحرية تشبه العاصي في مسيرها في عكس الظلم والاستبداد وعدم احترام كرامة الإنسان.
هو يسير بعكس الفيزياء الطبيعية وهي تسير بعكس فيزياء التعدي والجور والظلم والاحتلال والعدوان، هو له خصوصيته من اسمه العاصي، وهي لها خصوصياتها من لونها وإرادة الوصول إليها ومن فجر الوطن الذي لايبزغ إلا بها.
ومنذ كان الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو، وفوزي القاوقجي وصولا الى الجنوب السوري عند سلطان الأطرش ومحمد المفلح ومحمد عز الذين. ونحن الآن نقطع ذكرى ثورة هؤلاء من العام 1920- 1927 والمعركة الأبرز فيها في أوائل آب 1925 يوم تم تدمير قوات ميشو الغازية لجبل العرب في معركة المزرعة تدميراً كاملاً، ولولا السيارات الباقية لدى القوات الفرنسية لكان ميشو القائد، وكربيه الحاكم لدولة جبل الدروز حينها قد وقعا بالأسر مع جملة من وقعوا وظلوا في بيتنا حتى تم تبادل الأسرى.
نعم منذ ذلك الزمان كان الوجود السوري واحداً، ومصير العرب المتعاضدين على هذه الأرض المقدسة واحداً، ولم يكن الشعر في الجبل وغيره إلا المرآة التي انعكس عليها كفاحهم هؤلاء وتغنى به كل مجاهد على أرض الوطن الغالي من درعا والسويداء حتى الحسكة والقامشلي، وهذا هو شاعر الثورة هلال عز الدين والمجاهد فيها من أول ساعة حتى تحرير سورية عام 1946 يقول رافضاًَ تقسيم سورية إلى دويلات:« حق أن الجبل يرجع للعرين.. وما تركنا لا دمشق، ولاحماة .
نحن عشنا بها لوطن متعاضدين، من الجزيرة حتى صخرات اللجاة».
هذه هي صورة السوريين قبل أن يدخل هولاكو 1258 م إلى بلادنا وبعد أن صار فيها وقبل أن يدخل سليم العثماني 1516م وبعدها وقبل أن يدخل غورو 1920 م وبعدها، فالسوريون لم يجزئهم الغاصب المحتل وحين تحرروا من الفرنسيين نذروا استقلال سورية من أجل نصرة فلسطين حتى لاتنشأ فيها دولة العدوان الصهيوني منذ العام 1947 ومنذ العام 1954 ناصروا ثورة الجزائر ضد الفرنسيين وهزموا مع إخوتهم المصريين العدوان الثلاثي، وحين نسفت الوحدة استعادوا المبادرة ودخلوا حرب تشرين التحريرية 1973 أبطالاً. كسروا شوكة العدو الذي لايقهر وبقيت سورية عصية على جميع مشاريع الخارج الصهيوأميركية طيلة العقود السابقة، فلم تنجح حروب إسرائيل العدوانية ولا احتلال أميركا للعراق ولا محاولات تمزيق الصف العربي وذرذرة الوحدة المعنوية للأمة العربية عبر الجامعة ومؤتمر القمة.
وحين التوت بعض السياسات العربية بفعل ضغط المرجعية (السايكس بيكية) كانت سورية الراشدة القومية الصامدة ونبهت الشارع العربي الى خطورة سياسات الاستتباع للخارج، وكم وقف الشارع العربي يؤيد سورية ويعتبرها في كل استطلاع رأي الممثل الوحيد لنبض الشارع العربي.
إذا كانت هذه صورة سورية هل يعطلها سلوك مخطئ هنا وفاسد هناك وانتهازي هنا ووصولي هناك، أي هل تستبد صورة المفسدين في الوطن في نفوسنا حتى تجعلنا نغامر بهدم وطننا كرد فعل عليهم؟.
وإذا كان توسيع فضاء الحرية والديمقراطية موجباً وحقاً هل الطريق إليه بهدم استقرار سورية؟ وإذا كان هذا الوطن يجب أن يتخلى عن ثوابت طالما تمسك بها وهي تمثل إرادة الأمة في دولتها الوطنية فهل اللازم أن نهدمه حضارة وشعباً حتى يلتحق بالركب الدولي المزمع؟!.
إن المعركة بعد أن بكت مياه العاصي وهي تحمل جثث هؤلاء الرجال كأنها صارت على الأمة كي لايبقى لها شعب واحد وينفك عقدها الاجتماعي التاريخي. وعلى الشعب كي لاتبقى له دولة واحدة قوية، وعلى البلد كي لايبقى تحت خيمة واحدة اسمها وطن الجميع، وعلى الجميع تشن المعركة حتى نصل إلى حرب الجميع ضد الجميع، ولو افترضنا اليوم (والمعركة الافتراضية) تشن علينا بكل قوة الحضارة الإلكترونية الغرب صهيونية أننا في سورية سوف نستجيب لما يطلبون منا فإلى أين سنصل؟.. إلى الموافقة على شرذمة بلدنا وشعبنا وإقامة كانتونات طائفية مذهبية وعرقية أو إلى التسليم للعدو الصهيوني بكل مشاريعه ورهن حاضر هذا الوطن ومستقبله لأعدائه؟.. هذا الذي لن يرضى به الضمير السوري ونحن الذين نعرف كيف تورد الإبل.