وكان لي صديقاً شخصياً، ألتقيه في مناسبات وأماكن مختلفة، وقد عرفته على السماع قبل أن أواجهه بسنوات، من خلال النوادر التي تروى عنه.
يصفه الأستاذ عبد الغني العطري أنه «يتمتع بذكاء وقّاد، وبديهة حاضرة وجواب لاذع، لصد كل هجوم ساخر أو تحد، بنادرة أو طرفة»(1).
في مطعم «لاتيرنا»
وهو ابن رئيس الوزراء السيد جميل الألشي، أيام الانتداب الفرنسي، ذات يوم، كنا في مطعم «لاتيرنا» - في أحد فروع شارع 29 أيار - حيث كانت لنا لقاءات كثيرة، فسأله أحدهم:هل صحيح أن والدك المرحوم جميل الألشي كان رئيس وزراء بالوكالة؟
فأجاب غسان على الفور:
- لا.. فقد كان مياوماً.
غسان.. والنادل المكلف
وكنا نتبادل الحديث مرة في هذا المطعم، إلى أن اقتربنا من حديث السياسة، فتقاربت رؤوسنا، وصار حديثنا همساً أقرب إلى الوشوشة، فانتبه إلينا النادل المكلف بالمراقبة من إحدى الجهات الأمنية، فصار يكثر التردد على طاولتنا، دون أن يدعوه أحدنا ودون ضرورة، فيرفع صحناً نظيفاً ويضع مكانه صحناً نظيفاً آخر، ويحمل قنينة الماء البارد التي ما زالت على حالها ويأتي بأخرى مثلها، ويرفع منفضة سيكارات ما فيها عقب واحد، ويجيء بمثلها. لاحظه غسان الذي كان ينفحه «البخشيش» الكثير باستمرار فناداه وقال: ولا.. أنا فهمان عليك، بس اعرف كل واحد شو عم يحكي.. لا تخربط.
غسان مع العقيد الشيشكلي
وكان غسان من أصحاب العقيد الشيشكلي الذي كان في الخمسينيات الأولى يحكم سورية من وراء وراء، فكان العقيد يدعوه إلى مجلسه في نادي الضباط القديم على طريق الصالحية كل ليلة، فتدور بينهما مسامرات ومحاورات لم تكن تخلو من بعض الهمز واللمز. وذات ليلة بعد أن طالت جلسة السمر والمرح، تناول الشيشكلي والد غسان بكلمة نابية، فرد عليه هذا بقوله:
- لماذا تشتم والدي يا سيدي؟ إن أبي لايشتم وقد كان رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً في عدة وزارات، ولم يكن بائع قنابيز.
غسان.. في السجن
كان والد الشيشكلي بائع قنابيز، فسكت على مضض، وانسحب في نهاية السهرة دون أن يبدو أنه غضب من تعريض غسان بوالده بائع القنابيز، لكنه أمر باعتقال غسان في سجن المزة العسكري، دون إهانته أو الإساءة إليه، وعندما وصل غسان إلى منزله في القيمرية وجد في انتظاره رجال الشرطة العسكرية الذين اقتادوه إلى سجن المزة حسب التعليمات. وفي المساء التالي أمر الشيشكلي بإحضار غسان إلى نادي الضباط، على أن يخلى سبيله عند مدخل النادي. وهكذا وصل غسان متأخراً عن الموعد المعتاد، وكان العقيد الشيشكلي في انتظاره وقد عاتبه على تأخره قائلاً: لماذا تأخرت يا غسان؟ انشغل بالنا عليك.
خمسة!
فأجاب غسان:
- والله يا سيدي أنا طول النهار عم اتخانق مع الناس ووزارة المعارف - التربية - لأنها عم تغش الجيل وتزور التاريخ، وعم تقول إن الخلفاء الراشدين أربعة فقط: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وأنا عم قول لهم هذا غير صحيح، لأن الخلفاء الراشدين خمسة.
وهنا قال الشيشكلي مدهوشاً: ومن الخامس.. يا غسان؟
فأجاب غسان بمنتهى الجد:
- والد سيادتك حسن الشيشكلي.
غسان مع الأمير سعيد
ويذكر الأستاذ العطري أن الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري وصاحب القصر الشهير في دمر - جرى ترميمه أخيراً - كان كلما التقى بغسان يسأله عن أبيه ويحمله سلاماً إليه. وكان الأمير معروفاً بكثرة النسيان، فبعد أن توفي جميل الألشي والد غسان، التقى الأمير سعيد وغسان فسأله عن أبيه كالعادة فقال غسان:
- عطاك عمره والله يا أمير.
فترحم الأمير عليه وقدم التعزية إلى غسان. وتكرر مثل هذا اللقاء عدة مرات، الأمير يسأل عن والد غسان، وهذا يجيب: عطاك عمره يا أمير، فيعود الأمير إلى الترحم والتعزية. آخر مرة سأل الأمير غسان عن والده فقال: والله يا أمير.. لسّاته.. ميت.
الحواشي:
1- دفاع عن الضحك - عبد الغني العطري - دار البشائر - دمشق - 1993.