نشر له الكاتب غسان كنفاني أول رسوماته(خيمة على شكل بركان) بعد أن أعجب بموهبته في مجلة الحرية, وجعل العلي قراء صحيفة السفير يبدؤون بقراءتها من صفحتها الأخيرة «مكان نشر رسمه «. تميزت إبداعاته بالصدق والتمرد واستلهم أغلبها من مرارة النكبة و عذابات اللجوء التي ذاقها كغيره من كثير من أبناء شعبه. قال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف إنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر. لم يشهر بندقية في وجه الاحتلال بل أشهر ريشته لكنه نال نفس الشرف ليكون شهيد الحقيقة .
الشخصيات الثابتة «حنظلة»
وهي أشهر شخصيات ناجي العلي .. تمثل طفلاً في العاشرة من عمره وهو السن الذي لجأ به ناجي العلي وعائلته الى لبنان .
كان الظهور الأول لشخصية حنظلة الشهيرة والتي تزين كثيراً من جدران منازل الفلسطينيين ومقتنياتهم وسياراتهم عام 1969 . واللافت للذكر هنا أن هذه الأيقونة صارت إشارة أو علامة يستدل بها الفلسطينيون على بعضهم وخاصة في الشتات والمنافي عبر ارتدائها أو حملها.
كان ( حنظلة ) فاعلأ في بداياته ملتقياً وجهاً لوجه مع الناس , فحمل السلاح ورفع العلم الفلسطيني ورمى النجمة السداسية بالحجارة .
إلى أن تحول شاهداً صامتاً بعد حرب 1973 ويقول ناجي العلي في هذا الخصوص: «كتفته بعد حرب 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة , وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة فهو ثائر وليس مطبعاً..»
وعن ثيابه الرثة وعدم انتعاله لحذاء فهو ما يعني انتماءه للفقر وانحيازه للفقراء.
اما بالنسبة لرسمه بالأبيض والأسود فكأن ما يراد به رفضه للتلون والمناطق الرمادية ومنها الحلول الوسط التي تدور حول التسوية ومفرزاتها.
عاد حنظلة ليظهر مرة أخرى فاعلاً حيوياً أبان الانتفاضة الأولى ليرمي الحجارة تجسيداً لأطفال الحجارة .
ومن هنا لعبت رسومات ناجي العلي متجسدة بهذا الرمز الفلسطيني دوراً مهماً في توثيق الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية فكانت بمثابة شاهد أمين ومراقب دقيق لها.
ويمكن اعتبار ما يمثله حنظلة الآن تحقيقا لنبوءة ناجي العلي الذي قال« هذه الشخصية ولدت وغير قابلة للموت.. ولدت لتحيا.. وتحدت لتستمر....»
ومن الشخصيات الثابتة التي ابتدعها ناجي العلي ورافقته في كثير من رسومه أيضاً شخصية فاطمة الامرأة الفلسطينية الطيبة والزوجة الصالحة والأم المناضلة , وشخصية السيد المسيح في إشارة واضحة إلى الحق المهضوم وأن القاتل واحد فضلاً عن شخصيات اخرى قليلة الظهور...
التناص
اعتمد ناجي العلي بشكل كبير على التعبيرات الأدبية والتعليقات التهكمية مستخدماً اللهجة المحكية الفلسطينية , فلا تكاد تخلو إلا القليل من لوحاته من الكلام , وهذا لا ينم عن ضعف عند العلي في إيصال رسائله فليست غاية الكاريكاتير جمالية لتقتصر على أدوات الفن التشكيلي «الريشة والألوان » وإنما هي أداة تغيير اجتماعية ووسيلة مقاومة أيضاً.
فنلاحظ ابتعاد العلي عن الصبغة التشكيلية للكاريكاتير واقترابه من الهوية الصحفية له, كيف لا ومكان الالتقاء الأساسي بين الكاريكاتير ومشاهده هو وسائل الصحافة المختلفة.
كتب ناجي في إحدى لوحاته «أعرب ما يلي...نعم ل 242 ، فيقوم حنظلة بالإعراب على الشكل التالي:
النون نون النسوة, والعين عيب عليك,الميم مفعول بها ومعطوفة عليك,والفاعل فاعل خير وضمير ومستتر في محل نحن!!واللام لا الناهية و242 ممنوعة من الصرف»!
وعند ( ضمير الثورة ) كانت لبعض الكلمات والعبارات معان اخرى، فكلمة شعار تعني «شي» و»عار», و مصطلح دويلات أصبحت «دي ويلات» وجملة إنعاش الاقتصاد نجدها «إن عاش الاقتصاد»...إلخ
وإحدى الرسمات ايضاًتصور حواراً بين حنظلة وصحفي عربي ليقول حنظلة للصحفي «مقالك اليوم عن الديمقراطية عجبني كتير...شو عمتكتب لبكرة؟ فيجيب الصحفي عم بكتب وصيتي!! «
إذأ اتسم التناص عند ناجي العلي بالجرأة والمباشرة دون الحاجة إلى التأويل وهو أمر طبيعي على اعتبار أن الكاريكاتير فن شعبي موجه للجميع وكان مرشداً ودليلاً في حالات كثيرة حتى لرفاق دربه.
إشكالية الفن الساخر ومأساة القضية
يقول ناجي العلي: «لا يهمني أن تحمل رسومي من يسعون إلى الضحك ,ومن تهز كروشهم صخباً يهمني أن يعيشها الإنسان العادي الأمي ,المثقف,وأن تصل بكل أبعادها وصدفها».
ربما يختزل تعبير العلي هذا اعتبار البعض أن الأساس في الكاريكاتير هو السخرية وإذا غاب غاب الكاريكاتير .
لكن ومع ذلك استطاع الفنان الفلسطيني أن يضفي شيئاً من الطرافة على لوحاته, فالفلسطيني وبرغم كل الصعاب والآلام هو في النهاية إنسان ولديه القدرة على الضحك .
فلم يكن هذا الجانب هاجسأ أو هوساً عند ناجي العلي بقدر ما كان عنصراً نافلاً وفي أغلب الأحيان مساعداً في إيصال مبتغاه.
ثمن الأرض
استشهد يوم 22 تموز 1987 بعد أن أطلق عليه أحد عملاء الموساد رصاصة أصابته قرب أنفه من مسدس في أحد شوارع لندن أثناء توجهه إلى مكتب صحيفة « القبس « الدولية حيث كان يعمل . وكما كان استثناءً في فنه كان استثناء في استشهاده ليكون أول رسام كاريكاتير يتم اغتياله منذ قرن ونصف. وكان لهذه الجريمة صداها في الأوساط الثقافية والإعلاميه باعتباره سفيراً للجرح الفلسطيني فكتب في رثائه كبار الشعراء منهم «أحمد مطر ومظفر النواب وعبد الرحمن الأبنودي ومحمود درويش ...إلخ». كما سجلت السينما العربية حياته في فيلم من بطولة نور الشريف,و أنجز المخرج الفلسطيني رامي السعيد مؤخرأ فيلماً وثائقياً عن حياة ناجي العلي حمل عنوان» الكاريكاتير القاتل».