تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دوامة الأزمات في إسرائيل

شؤون سياسية
السبت 6-8-2011
د.جهاد طاهر بكفلوني

لطالما حاول الكيان الصهيونيّ تصوير( إسرائيل) وهي فلسطين الأرض العربيّة التي اغتصبها هذا الكيان العنصريّ على أنها واحة الديمقراطيّة وسط صحراء عربيّة مقفرة تتشوّق لقطرة واحدة من قطرات هذه الديمقراطيّة

التي تنثال وابلاً منهمراً يروي (إسرائيل) في الأوقات كلّها، ولعلّ العالم قد خدِع بهذه الكذبة الكبيرة حيناً من الدهر فراح يبدي تعاطفه مع الحمل الوديع (إسرائيل) هذا الحمل المهدّد من قبل الوحش الضاري (العرب) جيرانه الذين لا يدعونه يعيش بسلام، مع أنه بسط إليهم يده مراراً وتكراراً مقسماً أغلظ الأيمان أنه يريد السلام والاستقرار والسكينة له ولجيرانه!.‏

ولعلّ الرواج الذي أصابته هذه الكذبة دفع الساسة الإسرائيليين إلى ابتكار كذبة أخرى لا تقلّ عن الأولى ضخامة حجم، هذه الكذبة التي تقول إنّ اليهود في كلّ مكان في العالم يتهافتون على العيش في ( إسرائيل) الدولة التي تضمن لكلّ من يسعفه الحظّ في العيش على أرضها؛ حياة حرّة كريمة خالية من كلّ ما يشغل البال ويقلق الراحة.‏

هذه الخدعة انطلت على يهود ( الفلاشا) الذين قدموا من إثيوبيا لتبيّن لهم بعد أن حضروا إلى (جنّة الخلد) أنهم وصلوا إلى ( سقر) وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية بل وحتّى العاشرة، وعليهم أن يعيشوا كعبيد في خدمة أسيادهم من اليهود الذين قدموا من العالم الغربيّ المتحضّر!.‏

والمعاناة نفسها عاشها ومازال يعيشها اليهود الشرقيّون ومازال الفرق بين (السفارديم) و(الأشكينازي) ملموساً في بنية المجتمع الإسرائيليّ من الداخل.‏

واليوم تطفو على سطح الأحداث مندفعة إلى المقدّمة أزمة جديدة تؤرّق الساسة الصهاينة وتجعلهم يضربون أخماساً بأسداس في محاولة للعثور على حلّ لها فتذهب جهودهم أدراج الرياح، ويشير الواقع إلى أنّ المشكلة ذات طابع اقتصاديّ يشدّ طريقه إلى الطابع الاجتماعيّ ليلتحم به، ونعني بها أزمة السكن، تلك الأزمة التي ذكر راديو إسرائيل أنها(( دفعت بمكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للتنويه إلى تشكيل طاقم جديد للنظر في إحداث تغييرات في الجهاز الضريبي، وتخفيض الضرائب المباشرة. ويقول عضو الكنيست أوفيرا كونس المقرّب إلى نتنياهو: إنّ الخطوة المذكورة ستصبح ناضجة في غضون أيام «إنّ الحكومة تصغي جيداً لنبض الشارع الإسرائيليّ، ويمكنني أن أقول: إنّ نتنياهو يعكف في هذه الأيام على بلورة عدة خطوات لتسهيل الوضع على الطبقات المتوسطة، كما أنّ رئيس الحكومة سيعلن عن تشكيل طاقم خاص ليدرس الجمارك والضرائب، بما فيها تخفيض الضرائب على المحروقات والكهرباء بصورة تخفّف الكثير عن الطبقات المتوسطة)).‏

وبصرف النظر عن اقتراب نضج الخطّة التي وضعها ( نتنياهو) لمواجهة الأزمة من عدم اقتراب نضجها فإنّ الحقيقة التي تلقي بثقلها على دماغ (نتنياهو) هي أنّ هذه الأزمة كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير بعد أن عملت أزمات أخرى على جعله مثقلاً بالحمولة الملقاة عليه، إلى حدّ أشارت فيه استطلاعات الرأي العام الإسرائيليّ إلى تراجع شعبية رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ على نحوٍ غير مسبوق.‏

وتراجع شعبية ( نتنياهو) أغرى المعارضة بالتحرّك السريع لإعداد العدّة للحلول مكانه في الانتخابات القادمة ، وفي تقرير لمراسل راديو إسرائيل أشار إلى (( أنّ رئيسة المعارضة (تسيفي ليفني) تعتقد أنّ الوقت غير مناسب لإجازة الكنيست، حيث إنه سيتوجب على الكنيست حلّ المشكلات التي تطرحها الجماهير الإسرائيلية، وإذا كان نتنياهو يرغب حقاً في تغيير الوضع، فإنه في حاجة لوجود الكنيست عاملة. ولم تكد تمضي ساعة حتى قام عضو الكنيست (زئيف علكين) بالردّ عليها باتهامها بالتلوّن: «لقد توجّه إلى العديد من أعضاء كديما مؤكّدين على أنهم لن يؤيّدوا الاتّجاه الرخيص لليفني)).‏

ومن الجدير بالذكر أن إيلي يشاي زعيم حركة (شاس) كان قبل أسبوع قد طالب هو أيضاً بإلغاء إجازة الكنيست، وقد ردّ عليه (روفي ريبلين) رئيس الكنيست بالقول: ((طلبك سينقل إلى لجنة الكنيست للبتّ فيه رغم أنني لم ألحظ خلال جلسة رؤساء الكتل الحزبية لهفة على إلغاء الإجازة)).‏

الحكومة الإسرائيلية تحاول جاهدة العثور على وسيلة تحتوي بها الغضب الشعبيّ الذي ثار واتّخذ أشكالاً مختلفة، مذكّراً بقدرته على الضغط على الحكومة، ومن هذه الأشكال نصب الخيام والاعتصام داخلها، وهذا الغضب مرشّح للتصاعد خلال الفترة القادمة وقد يتخذ أشكالاً لا يستبعَد أن تأخذ طابع العنف إذا شعر الرأي العام الإسرائيليّ أنّ الحكومة لا تقدم على خطوات جدّية لمعالجة مشكلة ارتفاع أسعار المساكن داخل (إسرائيل) بصورة تكاد تكون جنونيّة، ناهيك عن عجز الكثير من الطبقات الشابة داخل المجتمع الإسرائيليّ عن تكوين أسرة نظراً لارتفاع أسعار كلّ شيء في ( إسرائيل).‏

إنها أزمة تكشف عن أزمات أخرى سرعان ما ستندفع إلى السطح مشيرة إلى هشاشة بنيان هذا الكيان الإرهابيّ اجتماعياً وسياسياً واقتصاديّاً، هشاشة لا يستطيع مواراتها بالزعم أنّه واحة الديمقراطية التي لا تعرف الأزمات.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية