وقد شارك العادل أخاه في جميع غزواته, وكان اليد اليمنى له, وبعد وفاة صلاح الدين ببضع سنين, استطاع العادل أن يستولي على مملكة صلاح الدين كاملة وعين أولاده ملوكاً عليها, وقاد معهم الكفاح ضد الفرنجة.
بقي بعد أخيه أكثر من ربع قرن يقارع الصليبيين, وتأثر العادل عندما سقطت دمياط بأيديهم سنة 615هـ، وتوفي بسبب هذا الحدث ودفن في قلعة دمشق، ثم نقلت رفاته بعد أربع سنوات إلى تربته في العادلية الكبرى.
أول من باشر ببناء المدرسة نور الدين الشهيد, وكان ذلك سنة 568هـ,حين كان يعدها للشيخ القطب النيسابوري الشافعي, وقد بدأ ببناء المسجد والمحراب, ثم توقف العمل فيها بعد وفاته سنة 569هـ.
وفي سنة 612هـ, أزال العادل ما بناه نور الدين, وبنى المدرسة على هيئتها التي نشاهدها اليوم، وتوفي قبل أن تكتمل, فأتمّها ولده المعظم سنة 619هـ، وافتتحت المدرسة رسمياً في احتفال كبير بحضور المعظم، وكبار العلماء والقضاة.
دمرت المدرسة مرتين على يد التتار والمغول الأولى في عام 699 هجرية وجددت في عام 704هـ.
ثم دمرت ثانية على يد تيمورلنك سنة 803هـ وأعيد بناؤها بعد رحيله عن دمشق.
وتراجع أمر المدرسة في العهد العثماني وكادت أن تنهار، وقد نشرت صور لها في عام 1325 هجرية وتبين مدى الخراب الذي أصابها, حتى إن اللجنة التي زارتها سنة 1328هـ ذكرت أنه لا يوجد فيها طالب واحد وأنها بيد توفيق أفندي المنيني.
وقد شهدت هذه المدرسة أحداثاً جساماً ونزل بها عباقرة العلماء والفقهاء والأدباء, فكانت سجلاً لتاريخ دمشق عبر العصور.
ففيها كان يقيم المؤرخ أبو شامة وفيها ألّف كتاب (الروضتين في تاريخ الدولتين).
وفيها أقام ابن المؤرخ ابن خلّكان وألّف فيها كتاب وفيات الأعيان.
وفيها درس ابن مالك صاحب الألفيّة.
وفيها نزل ابن خلدون يوم حلّ بدمشق.
وفي العصر الحديث نزل فيها كبار الأدباء والمفكرين والشعراء العرب والسوريين الأعضاء في المجمع العلمي العربي، ومنهم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران، ومن السوريين محمد كرد علي وعمر أبو ريشة وشفيق جبري.
وفي الثلاثينيات أصبحت المدرسة مقر المجمع العلمي وأطلق عليه فيما بعد (مجمع اللغة العربية).
تعد المدرسة نموذجاً لعمائر العصر الأيوبي، فهي تعتبر من أهم المباني من حيث التخطيط ورصانة البناء، والعناصر المعمارية المتقنة الصنع.
وطرأ على مخططها الأصلي بعض التعديل ولكن أقسامها الرئيسية وعناصرها المهمة لاتزال تحافظ على وضعها الأصيل، ومن ذلك واجهتها الشرقية والجنوبية وبوابتها وصحنها وتربة منشئها وواجهة الحرم وبعض إيوانها الكبير الشمالي.