وقبيل نهاية شهر رجب يبدأ الناس بشراء المونة من مختلف أنواع الأطعمة , ويستعد التجار لإخراج زكاة الفطر والصدقات.
يستبق أهل الشام قدوم رمضان في الصيف بنزهات خارج المدن يروحون بها عن أنفسهم , ويتناولون الأطعمة والأشربة ويمارسون الألعاب الشعبية لأنهم سينصرفون في رمضان للصوم والصلاة.
ويسمي أهل دمشق هذه النزهة تكريزة وتعني الرحلة عند الأقباط، كما تسمى عند أهل طرابلس ونابلس الشعبونية نسبة إلى شهر شعبان، وكانت التكريزة ذات طابع جماعي سواء كانت عائلية أو شبابية.
ويقول بعضهم إن التكريزة في اليوم الأخير من شعبان، لكن آخرين يؤكدون أن التكريزة تتم قبل أسبوع من قدوم رمضان، وان كثيراً من أهل الشام كانوا يقضون هذا الأسبوع في قرى الغوطة مثل بسيمة وأشرفية الوادي وعين الفيجة وعين الخضرا، ومصايف الربوة ودمر والهامة الأقرب إلى دمشق ويستأجرون بيوتا أو غرفا وربما يبيتون مجانا عند بعض الأصحاب أو الأقارب.
وبعضهم يذهب إلى بساتين قريبة من المدينة مثل المزة وكفرسوسة وبساتين الشاغور والقنوات، ويفضل أكثرهم الجلوس على ضفاف الأنهار كنهر بردى وينابيع بقين والزبداني.
وهكذا يودع أهل الشام شعبان بالأكل والشرب, و تختلف نوعية طعام رمضان ويفضلون تلك التي تحتوي على زيوت مثل التبولة والفتوش والمقالي.
ويذكر منير كيال في كتاب (يا شام) أن من عادات الدماشقة القيام بما يسمى تَكْريزة رمضان، فقبل حلول شهر رمضان بيوم أو يومين يقومون بسيارين (نزهات) الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسم والمنشار والغياض, كما جاء في الكتاب أن الشباب يتحلقون حول شاب تبرع بوصلة غناء من الميجانا أو العتابا وأبو الزلف, وبعض المنولوجات الشعبية.
وقد أكد لي كبار السن ان التكريزة كانت تمتد أسبوعا ويقومون باستئجار بيوت في الغوطة يقضون فيها الأيام الأخيرة من شعبان وليس صحيحا قول منير كيال إن أهل الشام كانوا يغنون الزلف والعتابا لأنها ليست من تراثهم، وإنما تراث ريفي.
وأكثر أفراد التكريزة بهجة وسرورا هم الأطفال الذي يجدون فيها خروجا على تقاليد البيت الصارمة والحارة الضيقة.
وهكذا كانت مجموعات التكريزة تنقسم إلى ثلاثة، فالنساء تنشغل بتحضير الطعام والشراب ولاسيما إذا كانت (الطبخة)تحتاج إلى جهد كبير، مثل الكبة اللبنية أو المقلية أو المشوية أو المحاشي، وتكون النساء أكثر سرورا عندما تكون المشاوي هي الطبق الرئيسي من الطعام، لأن الرجال هم الذين يقومون بتقطيع اللحم وشيه.
أما الرجال فينصرفون للحديث حول مختلف القضايا الاجتماعية كما أنهم يقضون وقتا لا بأس به باللعب بورق الشدة أو طاولة النرد (الزهر).
أما المجموعة الثالثة فهي الأكثر سعادة في هذه التكريزة، وقد يكونون الأكثر عددا ونعني الأطفال حيث يقومون باللعب واللهو، ولكن بعض اليافعين قد يتضايقون إذا كلفوا بملاحظة أخوتهم الصغار، لأن ذلك الصغير يتبع اليافع أينما ذهب ويحشر نفسه في ألعابهم، والويل لليافع إذا علا صراخ أخيه الصغير، حيث يناله قسط وافر من التأنيب وربما الدعاء عليه بالحمى.
ولا تزال التكريزة قائمة، ولكن ضمن تسميات وتقاليد مختلفة عما كانت عليه في الماضي، إذ لم يعد الترابط الاجتماعي قائما كما كان في الماضي, وفقدت النزهة الشعبانية تقاليدها العائلية الكبيرة وباتت تقتصر على أسرة صغيرة، كما لم يعد المبيت في المصايف قائما بسبب سهولة المواصلات وسرعتها، والأهم من ذلك كله فقدت أماكن الاصطياف طابعها الشعبي العام، وباتت الأماكن المجانية بالأمس، مواقع سياحية ذات خمس نجوم، وهكذا يبدو أن لكل زمن تقاليده وخصوصيته.