قبل النزوح من الجولان الحبيب... ويضيف: لقد حملت معي ذكرى من الجولان رغم صعوبة النزوح وما أذكره أن والدتي مشت حافية القدمين كي تجمعنا ولا تنسى أحداً منا، وقد جلبت معي «جرن الكبة» وندق به البرغل حتى اليوم، وأتذكر والدتي عندما أصرت أن نبني لها فرناً للتنور في بيتنا بدمشق وكانت تخبز الخبز عليه حتى فترة ليست بالبعيدة.
والآن بعد أن تجاوزت الستين من العمر أحرص دائماً على الجلوس مع أصدقاء الطفولة من الجيران وأيام الدراسة نجلس ونشرب المتة ونروي القصص والحكايات التي مازالت تعيش معنا ولا تفارقنا أبداً.
وحدثنا «محمد» عن وجود بئر في البيت يدعى« الجب» يشربون منه وينجزون أعمال المنزل أيضاًَ ولا يمكن أن أنسى أيام الدراسة ومع حبي لها عملت مدرساً في الشام ومع كل درس أعطيه أتذكر مدرستي في الجولان الحبيب والمصاطب الزراعية التي كان يخصص كل طالب بمصطبة يزرعها خس وبصل أخضر وغيرها من الخضار وفي نهاية العام الدراسي كانت توضع علامة لكل طالب عن المصطبة الزراعية الخاصة به والغرض من ذلك كما يقول «محمد» أن يعلم الطالب أنه مهما درس فهو في النهاية يجب أن لاينسى أنه فلاح والأرض بحاجة له، ومن جانب آخر لمعرفة أن سورية بلد زراعي ويجب التركيز على هذه الناحية والاهتمام بالأرض.
فكيف ننسى أن أرضنا زراعية وفي كل شبر نسير عليه تظللنا الأشجار المثمرة من تين وتوت، وبلدتنا تشتهر بالتين البعل وطعمه اللذيذ كالعسل تماماً وفي موسم التين وعندما أمسك بحبة التين تنهمر دموعي وأتذكر تين الجولان الحبيب الذي اشتقنا إلى مذاقه الفريد.
وكم أتمنى العودة إلى الجولان الحبيب قبل أن أموت وأجلس تحت شجرة التين وأقطف أكواز التين وأكلها مع الخبز الساخن.
وأكثر ما يثلج صدر«محمد»أن أولاده وقد بلغوا الآن من الشباب يتحدثون عن قريتهم وكأنهم عاشوا فيها ويرجع ذلك إلى إصرارهم على معرفة وطنهم وسماع كل التفاصيل والحكايا والعادات، حتى إنهم يطلبون من والدتهم أن تطبخ بعض الأكلات الجولانية مثل دحاريج اللبن والمتبلة وغيرها من الأكلات التي يشعرون أنهم يدخلون السرور إلى قلوبنا في حال طلبها...
والحق يقال إن الجيل الحالي متشبث بالأرض وبالعودة مثلنا وأكثر وهذا ما يفرحني ويشعرني بأن العودة قريبة وأطلب من الله أن يمد بعمري وأشهد عودة الجولان وعهداً بأن أحمل جرن الكبة وأنا كهل كرمى عيون الجولان الحبيب ولأن حب الوطن فوق أي اعتبار.