كينيا3.5 ملايين نسمة، الصومال 3.7 ملايين نسمة، أوغندا 6000000 شخص، جيبوتي 120000 شخص، ويواجه نحو 3.7 ملايين صومالي - أي ما يقرب من نصف سكان البلاد- المجاعة بسبب الجفاف الذي تأثر به نحو 12 مليون شخص في منطقة أطلقت عليها وسائل الإعلام المحلية اسم« مثلث الموت» الذي يمتد في كل من كينيا والصومال وإثيوبيا. وقال لاجئون صوماليون فروا من مزيج مهلك من الجفاف والصراع في بلادهم إن الأوضاع شديدة القسوة التي يفرضها متشددون إسلاميون لهم صلة بالقاعدة جعلت فرص النجاة صعبة المنال.
من الأسباب الرئيسية لهذه المجاعة، تفاقم الأزمة الغذائية من جراء موجة الجفاف الاستثنائية التي تضرب منطقة القرن الإفريقي. ويجمع المراقبون الناشطون في المنظمات غير الحكومية، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، في تقاريرهم، بأن منطقة جنوب الصومال هي التي تعاني أكثر من سواها من تركيبة مهلكة من الجفاف، وما يترتب عن ذلك من سقوط كل مناطق الجنوب في براثن المجاعة الشاملة.
وتعتبر مناطق جنوب الصومال، مناطق كارثية بامتياز ، حيث تراجعت المحاصيل الزراعية إلى نسبة متدنية جداً، وفي ظل استمرار الحرب الأهلية المدمرة، التي قادت إلى موجة من زيادة أسعار المواد الغذائية بنحو 270 في المئة للقمح والذرة الصفراء.
ففيما كان سعر الكيس من الذرة الصفراء يساوي 5 يورو قبل الأزمة، أصبح يساوي في الوقت الحاضر 40 يورو في موقاديشيو، وهو سعر غالٍ جداً بالنسبة للقسم الأعظم من السكان، ويظل العامل الرئيس المتسبب في هذه المجاعة التي تضرب جنوب الصومال هو غياب الاستقرار السياسي في هذا البلد العربي- الإفريقي، الذي يعيش منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991، في ظل غياب الدولة، والحروب الأهلية المستمرة. فالمجاعة في الصومال ليست بسبب الجفاف وحده، بل هي نتيجة لمسار طويل من التدهور، يجمع في سيرورته الداخلية ما بين الهجمات العدوانية المتكررة للطبيعة/ الجفاف، الكوارث الطبيعية/ والصراعات الأهلية المستمرة مند بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.
ويتوقع أن تصل مستويات نقص الغذاء إلى حد الأزمة في مناطق اللاجئين خلال شهري آب وأيلول المقبلين. كما جرى تحديد أشد المناطق التي تبعث على القلق خلال الأشهر الستة المقبلة وهي جنوبي ووسط الصومال وشمالي وجنوبي وشرقي إثيوبيا وشمالي- شرقي وجنوبي- شرقي كينيا ،إضافة إلى مخيمات اللاجئين في كل من جيبوتي وكينيا وإثيوبيا.
وقد أسهمت الحروب الأهلية المتكررة في الصومال، في تهجير 1.5 مليون نسمة داخل الصومال، و4000000 صومالي إلى كينيا ،و 111000 صومالي إلى إثيوبيا، و 150000 صومالي إلى اليمن، وتسود الفوضى العامة والمزمنة في الصومال، وتعزز سلطة أمراء الحرب في هذا البلد المنكوب، وتحول الصومال إلى مملكة لكل عمليات التهريب والقرصنة، فحركة الشباب الإسلامية المرتبطة بالقاعدة التي تسيطر على جنوب الصومال وترفض دخول المنظمات غير الحكومية لإغاثة السكان المنكوبين، وكانت التصريحات الأخيرة لحركة الشباب الإسلامية المتشددة التي طالبت بالمساعدة الدولية مع رفض الاعتراف بالمجاعة في الوقت عينه، لا تبشر بالخير فإذا أرادت المنظمات غير الحكومية التحرك بسرعة في تلك المنطقة فإنها تتعرض لتحديات جمة، لاسيما أنها غير مرحب بها، فضلاً عن أن المساعدات الإنسانية يمكن أن تحول لمصلحة المليشيات الإسلامية المسلحة.
لقد أكدت تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة« يونيسيف» أن أكثر من 2.3 مليون طفل في الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي معرضون للموت الحتمي والتدريجي، وأن حالات الإسعاف السريع قد تستطيع إنقاذ حياة نحو نصف مليون طفل وليس أكثر، أما الإسعاف السريع، فيعني حسب منظمة« يونيسيف» ضرورة تقديم مواد غذائية بقيمة 500 مليون دولار كخطوة أولى.وفي مؤتمر صحفي سريع عقده الأمين العام للأمن الغذائي/ الفاو/ جاك ضيوف في الصومال لتحديد حجم الكارثة وسبل وقف تدهورها، قال إن دول القرن الإفريقي بحاجة سريعة وماسة في الأشهر المقبلة إلى مايوازي 1.6 مليار دولار لوضع حد لحالات الموت، وحدد ضيوف أسباب الكارثة في القرن الإفريقي بالحروب الداخلية وحالات الجفاف،وهذا الواقع المرير، وضع نحو 12 مليون إنسان في دائرة خطر الموت.. ويقدر الخبراء احتياجات كل من الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي من الغذاء بنحو 1.9 مليار دولار لسنة 2011 منهم 300 مليون دولار بالنسبة لشهري آب وأيلول.
السؤال الذي يطرحه المحللون، ما هو دور المجتمع الدولي في إخراج الصومال من هذه الدورة الجهنمية؟
إذا كان الجواب الإنساني العاجل في الطور الراهن، هو الجواب الوحيد المطروح، فإنه لا يزال بعيداً عن تقديم ما هو مطلوب فالمساعدات الإنسانية قد تسهم في محاصرة الحريق الغذائي، لا إطفائه، لاسيما في ظل غياب كلي للآفاق السياسية. إن الكارثة التي حلت بالصومال، بوصفه بلداً لا يمتلك ثروات كبيرة، ويفتقد إلى قيمة استراتيجية، يمكن تلخيصها بالتخلي، من جانب المجتمع الدولي والدول العربية، ودول القرن الإفريقي المجاورة إذ لم يتغير أي شيء جوهري في الصومال منذ عشرين سنة، فالبلد يعيش من دون دولة مركزية، وعجزت المبادرات الإقليمية عن إيجاد تسوية مرضية بين جميع الأفرقاء السياسيين المتقاتلين ولهذا السبب فهو معرض دائماً لإعادة إنتاج الأزمة.
المجاعة في القرن الإفريقي : الصومال وشمال كينيا وجيبوتي وإثيوبيا، ، تعتبر فضيحة العصر، بالنسبة للعولمة الليبرالية وللدول الغربية، وللمنظمات الدولية المدافعة عن نظام العولمة الليبرالية، لاسيما مجموعة العشرين الزراعية، التي زعمت في قمتها الأخيرة بمنتجع دوفيل شمال غرب فرنسا في حزيران الماضي ، أنها أقرت برنامجاً للعمل لكن مجموعة العشرين الزراعية لم تفعل شيئاً لتجنب بعض المواد الغذائية مثل الذرة الصفراء التي أصبحت تستخدم بشكل مكثف لإنتاج الوقود، بدلاً أن تغذي السكان الجائعين، متجاهلة المطالب الدقيقة التي بلورتها وقدمتها المنظمات الدولية، لاسيما منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية، ومنظمة الفاو والبنك الدولي كما أن مجموعة العشرين الزراعية لم تتوصل في قمتها الأخيرة إلى إقرار خطة لتوزيع الاحتياطات الغذائية في المناطق المنكوبة، وهو ما ينقص بقسوة اليوم من أجل مواجهة الكارثة الإنسانية/ المجاعة/ التي حلت بمنطقة القرن الإفريقي.
المجاعة في القرن الإفريقي، تتطلب تحركاً سريعاً من المجتمع الدولي، من أجل بلورة استراتيجية حقيقية للتنمية الزراعية في بلدان عالم الجنوب، لاسيما في البدان الفقيرة جداً، حسب التوجهات المحددة في برنامج عمل مجموعة العشرين، والتي نصت على زيادة الإنتاج الغذائي العالمي، وضمان الاستقلالية الغذائية للبلدان الأكثر فقراً في العالم، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة الأزمات، ومقاومة المضاربات حول المواد الأولية، ومساعدة الفلاحين الفقراء على الاستثمار في الزراعة، لأنهم هم الذين يغذون الغالبية العظمى من سكان عالم الجنوب ، لاالاستثمارات الزراعية الرأسمالية التي تخدم مصالح فئة البزنس الطفيلية وحاجيات السوق الرأسمالية العالمية.
كاتب تونسي