ورغم محدودية تاثير هذا التوجه في إخراج عملية السلام والمفاوضات التي جرت في إطارها على مدى عشرين عاماً من مأزقها الصعب, إذ لن يقدم أكثر من قرار دولي جديد يشرعن هذا الحق ويضاف إلى عشرات القرارات الدولية المعطلة منذ العام 1948, فإن إسرائيل والولايات المتحدة لم تدخرا جهداً منذ تلويح السلطة الفلسطينية باللجوء إليه كخيار بديل لفشل المفاوضات, في الاعتراض عليه والتهديد باستخدام كل الوسائل لإجهاضه.
وكان أبرز ما صدر عن إسرائيل في سياق اعتراضها جملة مواقف سجلها نتنياهو منها قوله: «إن إسرائيل ستجمع خمسين دولة على عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67» ثم دعوته لمعارضة المحاولة الفلسطينية لفرض تسوية من خلال الأمم المتحدة بالقوة, وتعليل دعوته بالقول: «إن هذه المحاولة لن تجلب السلام» وأخيراً تهديده بإلغاء اتفاق أوسلو إذا قرر الفلسطينيون الذهاب إلى الأمم المتحدة, رغم معرفته أن هذا الاتفاق كان وبالاً على الفلسطينيين.
وفي السياق ذاته يندرج تصريح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي تقاطع مع تهديد نتنياهو بإلغاء اتفاق أوسلو وسبقه إليه بالقول: «إن إعلاناً أحادي الجانب لدولة فلسطينية يعني انتهاء الاتفاقات الموقعة منذ 18 عاماً» لكن التهديد الأخطر في مجمل الردود الإسرائيلية كان في مضمون الخطة الاستراتيجية التي وضعها ليبرمان نفسه بتاريخ 4/7/2011 واقترح فيها ضم غور الأردن ومناطق من الضفة إلى إسرائيل, والتحرك لإقناع أوروبا ودول أخرى بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأميركياً, فضلاً عن التلويح باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع اعترافه بالدولة المطلوبة والحيلولة دون حصولها على عضوية الأمم المتحدة لأن ذلك يتطلب حسب الميثاق توصية من مجلس الأمن, فضلاً عن هذا التلويح لم يتردد الرئيس أوباما في استباق التوجه الفلسطيني والعربي نحو الأمم المتحدة باعتراض صريح سجله أمام منظمة إيباك يوم 22/5/2011 دون مواربة بالقول « إن إدارته ستتصدى لأي محاولة لعزل إسرائيل» في الأمم المتحدة مشدداً على أن أي حل للصراع في الشرق الأوسط يجب أن يكون عن طريق المفاوضات, وذلك بعد أن كان في لقائه قبل يوم واحد مع نتنياهو قد قلل من التحرك عندما اعتبره مجرد خطوة رمزية وقد يتبين أنها غير مجدية ولن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
إذا كان الذهاب إلى الأمم المتحدة لن يجلب السلام باعتراف نتنياهو وخطوة غير مجدية بحسب أوباما, فلماذا يعترض الطرفان عليه ويتوعدان بتأليب العالم ضده لإجهاضه بكل الوسائل..؟
يدرك الحليفان الإسرائيلي والأميركي تماماً أن خطورة التحرك لاتقف عند حدود ما سينتهي إليه من اعتراف دولي جامع بالدولة المقترحة في حال تم التصويت عليها من جانب الجمعية العامة, بل تتجاوزها إلى حدود ما سيكون لهذا الاعتراف من تداعيات تنعكس سلباً على الوضعية السياسية والقانونية لإسرائيل وعلى مستقبل الدور الأميركي في عملية السلام.
وهذه التداعيات دون غيرها هي ما تجعل إسرائيل وأميركا تعارضان التحرك نحو الأمم المتحدة, وتجعل لكليهما حساباتهما المشتركة ولكل منهما حساباته الخاصة حياله.
في التداعيات السياسية والقانونية على وضعية إسرائيل, تعرف حكومتها أن العودة بالملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة سيترتب عليه نتائج تضر بإسرائيل وصورتها وعلاقاتها الدولية, ليس أقلها التأييد الدولي الواسع لمطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 وما يعنيه بالمقابل من عزلة دولية لإسرائيل تنتقص من شرعية وجودها بسبب تناقض موقفها من الموضوع مع الإجماع الدولي, إضافة إلى أن الاعتراف بحدود 67 يتضمن بالضرورة اعتبار كل ما أقدمت عليه إسرائيل من بناء استيطاني داخل هذه الحدود بما فيها القدس الشرقية لاغياً وباطلاً, وهو أكثر ما تخشاه إسرائيل لجهة أن رفض الاستيطان يعني سد السبل أمام أي مشروع تسووي تريده إسرائيل على أساس تعديل الحدود لمنع المساس بالمستوطنات ومستقبلها.
وإذا كانت إسرائيل لم تفصح صراحة عن مخاوفها من هذه التداعيات, فإن تهديد الرئيس أوباما بالتصدي لأي محاولات لعزل إسرائيل وانتقادها في الأمم المتحدة, كان كافياً للتعبير عن هذه المخاوف, وخصوصاً عندما نتذكر أن السياسة الأميركية تمحورت دوماً حول تحصين إسرائيل من أي انتقاد, ألم يقل أوباما نفسه «إن شرعية قيام إسرائيل غير قابلة للنقاش.. وأن إدارته ستتصدى لمحاولات عزلها»؟.
وبخصوص انعكاسات التحرك نحو الأمم المتحدة على مستقبل الدور الأميركي, فهذا الدور بعد طرح القضية على الأمم المتحدة لن يكون كما كان عليه قبل ذلك لسببين:
الأول هو استخدام الفيتو الأميركي في مجلس الأمن واعتراض واشنطن المتوقع حتى على التصويت داخل الجمعية العامة, ما يجعلها معزولة ويدفع إلى تراجع أهمية دورها الدولي, لجهة أن اعتراضها غير المبرر على الدولة الفلسطينية يؤكد مجدداً انحيازها لإسرائيل ووقوفها ضد الحق الفلسطيني والقانون الدولي الضامن لهذا الحق, وتالياً ضد الاجماع الدولي على تطبيق هذا القانون والامتثال له.
وأما السبب الثاني فهو أن استعادة الأمم المتحدة للملف الفلسطيني وعملية السلام الخاصة به, تعني وضع حد للاستفراد الأميركي بهذا الملف وهذه العملية لعقود من الزمن.