تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ارتكبنا جريمة الصمت

هآرتس
ترجمة
الأثنين 8-8-2011
ترجمة : ريما الرفاعي

«في أي جانب كنت يا أبي عندما باعوا الدولة؟»  هذا ما قالته لافتة رفعها طفل خلال احدى الاحتجاجات في ميدان سنتغما في العاصمة اليونانية أثينا. وقد استرعت اللافتة انتباه صاحب العمود الصحفي توماس فريدمان من صحيفة «نيويورك تايمز»،

الذي  حضر الى اليونان ليغوص أكثر في أعماق الازمة الاقتصادية – السياسية التي تعيشها هذه الدولة. وينبغي على الشابات والشباب الذين ساروا في المسيرة من ميدان «هبيما» أن يسألوا آباءهم:  أين كنتم عندما باع الساسة دولتهم؟‏

عزيزتي دفني ليف وانت  تنتقلين من المبادرات السياسية الى احتجاجات السكن، أرغب أن أخبرك أنه ليس نتنياهو وحده مع سياسته الهوجاء هو المسؤول عن دفعكم الى الهاوية. بل نحن أيضا. آباءكم وأمهاتكم بعد أن وقفنا جانبا وتركناه يفعل ما يشاء.‏

إن آباءنا، كانوا أطفال أمل منتصف نهاية الاربعينيات،ورغم أخطائهم الكثيرة، قد انشؤوا دولة يهودية، وبنوا مدنا، وعبدوا شوارع، وصاغوا مؤسسات حكم وتعليم وصحة ورفاهية. واستوعبوا مهاجرين وعززوا الامن في مواجهة تهديدات من الخارج. وبفضل القوة العسكرية التي منحنا اياها هؤلاء حسمت اسرائيل خلال ستة أيام معركة عسكرية في ثلاث جبهات. لكنهم في اليوم التالي قالوا لنا إنهم ينتظرون مكالمة هاتفية من العرب. ووعدونا بأنه عندما يمد الجيران أيديهم للسلام فسنعيد الاراضي اليهم؟ نحن نقف جانبا منذ ذلك الحين في حين يبيعونهم السلام من أجل الاراضي. لم نخرج الى الشوارع عندما أدارت غولدا مائير ظهرها لأنور السادات والملك حسين. وبقينا في البيوت عندما رفض اسحق شامير اتفاق لندن مع الاردنيين والفلسطينيين. ولم نحافظ على اسحق رابين وعلى اتفاق اوسلو. ووقفنا جانبا عندما ركب نتنياهو الامواج العكرة للارهاب في طريقه الى ديوان رئيس الحكومة. وقبل كثير منا بالاستسلام لاكذوبة «لا يوجد شريك» التي اطلقها ايهود باراك وعدم قبول حركة حماس كشريك  وانسحاب ارئيل شارون من قطاع غزة من دون اتفاق مع الطرف الفلسطيني ، كما أدرنا ظهورنا لمبادرة السلام التاريخية التي أطلقتها الجامعة العربية منذ قرابة العشر سنوات .‏

 نحن نرسل أولادنا وسنرسل احفادنا قريبا أيضا،  منذ 44 عاما ليدافعوا بأجسادهم عن قطعة أرض ليست أرضنا. لم يرفض الخدمة في تلك المناطق سوى عدد قليل جدا من المجندين. وفي السبعينيات تجاوزنا ودون مبالاة صورة وزير الدفاع شمعون بيريز وهو يغرس أول شجرة في مستوطنة عوفرا، وقبلنا بعدم مبالاة أيضا بقرار انشاء مستوطنة ارئيل لتكون بمثابة شوكة في حلق الفلسطينيين.‏

 ان اسرائيل، بسبب تمسكها بمستوطنات مثل يتسهار وكريات أربع في قلب المناطق المحتلة تنفق من المال على الآمن والشوارع والدعاية أكثر مما تنفذ على الاسكان والتعليم والصحة. وقد كشف تقرير «هآرتس» نشر في ايلول 2003 حول كلفة المستوطنات أن الكلفة المدنية الشاذة للمستوطنات هي أكثر من  800 مليون دولار سنويا. ومن المتوقع أن تصل كلفة اطالة جدار الفصل بسبب اضافة مستوطنات جديدة الى أكثر من مليار دولار، في حين أن المعدل السنوي للتكاليف العسكرية الناجمة عن تمسك الجيش الاسرائيلي بالارض العربية تصل ايضا الى أكثر من 800 مليون دولار سنويا.‏

ومن المفيد أن نلاحظ المعطيات التي نشرها قبل أيام معهد القدس لبحوث الاسواق والتي تفيد أن  الاسرائيليين يدفعون من الضرائب على الشقق أكثر من نظرائهم في الدول الصناعية المتقدمة بـ 75 في المائة، ليست معطيات اقتصادية  تتعلق بواقع المقيمين في الخيام في جادة روتشيلد فقط، بل هي معطيات سياسية واضحة. وكان يمكن بدل صرف جزء كبير من اموال الضرائب هذه في تطوير المستوطنات، خفض الضريبة الباهظة المفروضة على انشطة العقارات.‏

وفي هذا الاطار ينبغي النظر الى قرار حكومة رابين عام 1992 بتحويل باقتطاع جزء من ميزانيات البناء في المستوطنات لصالح البناء العام داخل اسرائيل، وقرار حكومة نتنياهو عام 2009  بمنح المستوطنات منزلة مناطق تطوير بوصفهما قرارين سياسيين. يجب على دفني ليف ورفاقها كي لا يجلسوا مع اولادهم بعد عشرين سنة في خيمة في ميدان المدينة أن يسألوا هذا السؤال : « أمي في أي جانب كنت حينما باعوا الدولة» وعليهم ان يفهموا ان السياسة هي جوهر اللعبة، وخلاف ذلك مجرد ألاعيب .‏

 بقلم عكيفا الدار‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية