مما يظهر لمتتبعي الأحداث بأن كلا من الجانبين يعد العدة بإصرار نحو المواجهة. ولا ريب بأن تلك النتيجة باتت ممكنة التحقيق لأن ثمة مصالح كبيرة لدى كل من الطرفين وأطراف دولية أخرى في تحقيق هذا الأمر وتسهيل سبل إقراره.
إن المعارضة الشرسة التي تبديها الحكومة الإسرائيلية وتعلنها على الملأ تشكل دافعا قويا لمبادرة الفلسطينيين بالعمل الجاد لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الأمم المتحدة على الرغم ما يلاحظ من وجود عدد من أعضاء الأمم المتحدة يبدون المزيد من التحفظات إزاء عواقب هذا الاعتراف وجدواه ومن الجهود التي تبذلها إسرائيل على مختلف الصعد لوقف مثل هذا الإجراء الذي يحمل في طياته، حسب تقديرنا، فوائد إستراتيجية بالنسبة إليها.
في هذا السياق، نتساءل عما ستكون عليه الأوضاع في كل من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية ومكتب وزير الخارجية في القدس في ضوء الواقع التالي:
أولا: منذ فوز حماس في الانتخابات التي جرت في شهر كانون الأول من عام 2006 الذي أعقبه تمكنها من السيطرة على قطاع غزة في شهر حزيران عام 2007 لم يعد ثمة أي احتمال لتحقيق اتفاق رسمي بين إسرائيل والفلسطينيين سواء عبر عقد اتفاقية دائمة أو وضع ترتيبات مؤقتة.
ثانيا: من المتعذر التنبؤ بالنتائج التي تفضي إليها المواجهة المباشرة بين الشعب الفلسطيني في الأراضي وجيش الدفاع الإسرائيلي، وفي أسوأ الأحوال، قد تنتهي الأمور إلى إحكام السيطرة الإسرائيلية الكاملة على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وانهيار السلطة الفلسطينية وعندها لن يقتصر الأمر على حدوث انشقاق في المجتمع والجيش الإسرائيلي فحسب بل ستحدث أثارا سلبية على العالم اليهودي بأسره، وسيكون لهذا الإجراء نتائجه التي تضاهي صب الزيت على النار من حيث تأجيج فكرة نزع الشرعية عن دولة إسرائيل. وإزاء هذا الواقع، فإن ما يمكن تحقيقه من النجاح في إفشال المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة ربما يفضي إلى خلق واقع جديد يهدد الوجود الإسرائيلي.
ثمة آراء أخرى يحملها ذوو الأفكار الخيالية الذين يخلصون إلى نتائج مفادها بأن إسرائيل قد تجني فوائد إستراتيجية عديدة جراء نجاح التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، يذكرون على سبيل المثال سيناريو للواقع الجديد حيث سيتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من إرساء قواعد دائمة لعلاقاتهم تتيح لإسرائيل بموجبها الهيمنة على شتى النواحي الأمنية بما في ذلك الحدود الخارجية والفضاء الجوي. ويعتقدون بأن قيام دولة فلسطينية هو السبيل الأمثل للتخلص من مشكلة اللاجئين حيث يمكن أن يعهد إلى الأنروا بتغيير واقعهم. كما وأن إنشاء هذه الدولة سيسمح بإقامة علاقات بين دولة ودولة الأمر الذي يمكن من التوصل إلى اتفاق نهائي وترسيم للحدود الدائمة وبشكل خاص معالجة ما يتعلق بمسألة المقايضة للمناطق المأهولة بالسكان المحاذية للشريط الحدودي على الجانبين، تلك المعضلة الفائقة الحساسية.
دعونا الآن نتخيل بأننا انتقلنا إلى مرحلة العمل الجاد الذي يتعين به علينا التساؤل عما ينبغي على إسرائيل فعله لضمان استمرار الإصرار الفلسطيني بالذهاب إلى هيئة الأمم والإجابة على هذا التساؤل تقول بأن على إسرائيل اتخاذ موقف المعارض المتشدد بكل ما تستطيعه من قوة كي تتمكن من الإبقاء على الاندفاع الفلسطيني في طريق اللاتراجع. ومما يجدر ذكره، أنه على الرغم ما يحققه الاعتراف بالدولة للفلسطينيين من مزايا فإنهم يتحسبون من هذا التحرك الذي قد يفضي إلى تقويض الكفاح الوطني الفلسطيني بتحويله من موقع النضال إلى موقع الحوار الإقليمي العادي.
من المحتمل أن يطبع رئيس مجلس الوزراء قبلة الموت على المبادرة الفلسطينية عبر الإعراب عن تأييدها والحديث عن الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من تحقيقها، وبدلا من ذلك عليه القيام بحملة دبلوماسية عالمية لمهاجمة المبادرة الفلسطينية الأمر الذي سيدفع بالفلسطينيين إلى المضي قدما بمزيد من القوة لتحقيقها.
لا شك بأنه عند تقديم الفلسطينيين لمبادرتهم فإن الجانبين سيتراجعان عن مواقفهما بحيث يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لإجراء مفاوضات تشرف عليها الولايات المتحدة يمكن بموجبها ضمان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقا للمصالح الإسرائيلية. وتلك هي بالضبط المواجهة الدبلوماسية الحقيقية ونقطة اللاعودة التي يمكن بموجبها تطبيق مبدأ دولتين لشعبين في عام 2011 ويحقق الهدف الذي ما انفكت الحكومة الحالية تعلنه على الملأ.