تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وطن بلا أرقام

رسم بالكلمات
الأثنين 8-8-2011
فاطمة عيسى قراجة

سأخترق هذا الجنون الآثم, وأخرج من خلال معابركم الرقمية الملغّمة.. إنني امرأة لا تدجَّن, ولا تضطهد بأرقامكم ولا تشيّؤ بصفاتٍ خلعتموها على الناس كيفما شئتم. انتزعتُ جميع الأرقام من حياتي, ففي كل مرة أنتقي حذاءً له

نمرة مختلفة حتى لو كان ضيقاً, وسروالاً لا يحجّمني بمقاس معين, فمرة أنتقيه ضيقاً لغاية الموت المثير, ومرة يكون فضفاضاً لدرجة الكفن الأخير.. قبعتي بلا رقم, فليس لرأسي محيط محدود.. ولا أرسم إحداثيات لنفسي بجوّال مأفون ما هو إلا جاسوس على تحركاتي وكلماتي.‏

حتى هاتف البيت ليس باسمي, ولا أهتم للماركات العالمية التي ترقم كل شيء, وتدجّن الناس ضمن لصاقات مذهّبة لاستهدافهم كأرقام مرغوبة, أو حيادية ,أو منتهية الصلاحية .‏

إنني باسمي وصفاتي وصبغياتي التي كوًّنتها الطبيعة أكون أو لا أكون..‏

إنني بأقوالي وأفعالي أوصّف نفسي, فلا أستخدم إلا اسمي الثلاثي - عفواً حتى هذا الترقيم المتبع باسمي لا يعجبني, بل أستخدم اسمي الصريح.. كم أكره التصنيف داخل جداول مبوبة, وكأننا قطيع من الماشية المهيّأة للتصدير, أو للذبح..‏

في (جرّاري) مجموعة من الساعات الملونة التي أهملتها منذ عهد بعيد .. لا أريد أن أسبح داخل بحورها المتلاشية, ولا أريد الوقوف على موانيها المنهارة ..‏

كل تلك الآلات الصغيرة ما هي إلا قيود تجرنا نحو أشياء لا نريدها وحظائر اخترعوها لنا.. هؤلاء هم أجدادنا الذين كانوا يطلقون على كل ساعة من الوقت اسماً لا رقماً .. منذ الفجر وحتى النجر ...‏

فما الأرقام إلا وسائل اعتداء سافر علينا, تجردنا من طبيعتنا الإنسانية.. . أرقامهم المشعوذة التي يحيطوننا بها, يحصون أنفاسنا ويقدّرون ساعة شطبنا من خارطتهم الملعونة , ويحاولون جرنا كأحجار الشطرنج من بقعة سوداء إلى بقعة أكثر اسوداداً لذلك ضربوا حولنا خطوط الطول والعرض, وذبحوا الكرة الأرضية بخط استواء وهمي حتى يلغوا وجودنا, فقد أصبح لكل نقطة على الأرض رقماً, ولكل شجرة زيتون رقم, ولكل بقرة رقم, ولكل نسمة هواء, ولكل قطرة ماء رقم , ولهذا السبب نموت بالجملة.. أو ننصاع لهم, فنكون جزءاً من ساعاتهم, أو جوّالاتهم, أو نمرة في أحذيتهم.. سأخترق جنونكم الرقمي الشيطاني, وأسدل الستار على هذيانكم العبثي .. سأنجب أولاداً كثراً , وأبني ما شئت من الطوابق فوق بيتي الصغير, وأزرع أرضي بما أحب وأشتهي...‏

عنواني خارطة وطني.. كل الوطن.. شارعي ليس له رقم, بل يمتلك اسماً جميلاً لرجل بطل.. وها قد نزعت الرقم عن جدران بيتي, وزرعت شجرة ياسمين أمام بابي عوضاً عنه..‏

سأخلع جنونكم المسعور, وأخترق معابركم اللوغارتمية, فنحن لسنا أرقاماً, إننا أسماء لها بصمة مختلفة, واختلاف في الأصوات.. فأنا لست ربة بيت سطحية, ولست عاملة لا تجد كرسياً إلى جانب سفرة طعامها, ولا مضيفة طيران تافهة, أو صحفية تأخذ مقالاتها عن الشابكة, ولا فلاحة نسيت بذارها كما تدّعون.. أنا هؤلاء النسوة الحالمات بوجود ٍ إنساني لأنني لا أحمل هوية مرقمة, إنما هويتي هي وطني, ولا أقتني جواز سفر لأن جوازي هو قلمي, ولا يوجد لدي صندوق بريد, ولا إيميل, ولا صفحة فيسبوك لأنني أمتلك صوتي .. فاخترعوا ما شئتم من أرقام.‏

safwansms89@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية