تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هلوسات مجنــون ليلى

رسم بالكلمات
الأثنين 8-8-2011
أسامة هاشم الجندي

أنا من مدينةٍ اسمها ليلى.. إنها مدينة حقيقية صدقوني.. بل إنها مليكة كل المدائن وبيديها مصائرهن.

وليلى تتسع لكل الناس إلا عشاقها لهذا أدمنوا سكن المطارات, ومحطات القطار.‏

وأنا لا أذكر تاريخاً محدداً لبناء مدينتي, وكلما حاولت تذكر ذلك التاريخ .أرى نفسي صياداً بدائياًَ يجر وعلاً اصطاده لتوه إلى باب كهفٍ. وليلى فتاة في الرابعة عشرة من عمرها عاريةَ تقف بين الواقفين أمام باب الكهف. أقطع الوعل بينهم, أنظر إليها تقتات اللحم النيء ,فأشعر بالخوف عليها من نفسي. أهرب من نفسي أمامها إلى الكهف, أحاول رسم صورةٍ لها على جداره الأبيض. ألتقط نصلاً حجرياً. تفلت يدي من زمام العقل وترسم خياماً على ضفة نهر.‏

وأنا صيادٌ يحمل طرائده لبدويةٍ تخفي نصف وجهها بخمار ٍ غريب.‏

يعاودني الإحساس بالخوف عليها من نفسي وأهم بالهروب... لكن صوتاً يأتي من أكبر الخيام يستوقفني إذ يقول : إليًّ بليلى ..!‏

يقترب منها رجالٌ لم أرسمهم يحملون رماحاً وسيوفاً لم أرسمها.. يقتادونها إلى صاحب الصوت وهي تصرخ. أحاول نجدتها لكن.. كيف استطاع أن يفعلها وهي بين المضارب والأستار وقد كانت آمنةً‏

بين العري والعراء.‏

أهرب من خيبتي إلى خيمةٍ كان من المفترض أن تحميها في زمن الثياب. أحاول أن أرسم لها صورةً أخرى, وبقطعة خشبٍ متفحمة أرسم على القماش المشدود بيوتاً من طين, ورجالاً يبذرون الحقول ونساءً يدرن الرحى.‏

وأنا أنفخ النار على قطعة حديدٍ أطيّعها, أصنع منها منجلاً لحصاد تلك الحقول, وهي تطرز شالاً أبيض ترسم بخيوطها زنداً أسمر ومطرقةً.‏

وقبل أن تكمل الرسم بخيوطها يأتيها رجالٌ مسلحون ببنادق لم أرسمها.. يجرونها من شعرها. تصرخ مستنجدةً بي. أحاول نجدتها.. تتناهب جسدي السياط وأعقاب البنادق‏

من أين أتوا بكل هذه الأسلحة وأنا لم أرسمها؟!‏

أقسم بلحم ذاك الوعل الذي أطعمها من جوعٍ, وبجلده الذي كساها من عري ِّ أنني لم أرسم منها شيئاً!‏

ألتقط شالها الأبيض, أمسح به دماء وجهي, أفرده على الأرض, وأرسم لها صورةً جديدة بين بقع الدم‏

فأرسم مدينةً كبيرة فيها الكثير من الأبنية الفخمة والفقيرة‏

أسأل عنها فلا يعرفها أحد. يخطر ببالي أن أصف شكلها للشرطي, فيتهمني بالجنون حباً‏

يطلق صفارته مستنفراً رفاقه, يكبلون يديَّ ويقتادوني إلى زنزانةٍ ضيقة.‏

أفتش عن ليلى خلف القضبان, فأرى فتاةً بدائية تنظر أمام باب الكهف صياداً من ذاك الزمان وعدها بلحم الوعل وجلده لكنه أطال الغياب.‏

أصرخ باسمها لكنها لا تفهم لغتي, وحين يئست من محاولة لفت انتباهها, استنفرت أظافري وأخذت أرسم لها صوراً على الجدران.‏

وفي كل يوم يدخل السجان ويبدي رضاه أكثر من سابقه, إلى أن أتى يومٌ كنت قد نسيت فيه لغة السجان, وعدت إلى لغة الصياد البدائي, ما جعل السجان يثني عليَّ قائلاً:‏

مرحى لقد شفيت من جنونك وأنت الآن حر.‏

أتركه قابعاً في الزنزانة بين صورها الأربع, وأخرج إلى ليلى التي تنتظر لحم الوعل وجلده.‏

asamh.aljnde22@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية