أطلقنا العنان
حول المقصود من التربية النفسية وكيف يتأتى هذا الأمان النفسي وما دور الأهل والمربين فعله في هذا الوقت بالذات... كلها استفسارات أطلقنا العنان لها مع الدكتور ثائر حيدر اختصاصي الإدمان وطب نفس الأطفال وأستاذ الطب النفسي في كلية الطب جامعة دمشق ليقول: المقصود بالتربية النفسية السوية إيجاد نوع من الأمان والاطمئنان النفسي عند الطفل الذي سيصبح فيما بعد شخصاً بالغاً حتى يستطيع تكوين شخصية متزّنة هادئة قوية قادرة على مجابهة ما يصادفها أو سيصادفها من مواقف ومشاكل حياتية.
وفي سؤالنا كيف يتأتى هذا الأمان النفسي قال: يتأتى عن طريق العديد من أساليب التعامل التي لا يمكن ذكرها كلها الآن لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات ولكن أهم هذه الأساليب التي يجب على الأبوين إتباعها هي:
تعويد الطفل على تحمل الإحباط بمعنى أن يكرر المحاولة إذا فشل في القيام بشيء ما، وعلى الاستقلالية بمعنى أن نتركه يأخذ وقته في ارتداء ملابسه دون مساعدة وأن يأكل لوحده وينام لوحده في غرفة خاصة وليس مع أبويه وأن يقف لوحده إذا وقع، وعلى الصبر بمعنى ألا نسرع لحمل الطفل عند أول بكاء أو صراخ.
ليس بالكلام فقط
كما لفت د. حيدر ولكي يتعلّم الطفل الصح والخطأ يجب أن نكون قدوة له وأن نعطيه المثال بشكل واضح ومن خلال تصرفاتنا وليس بالكلام فقط أو بتوجيه الأوامر والنواهي وينطبق ذلك على كل الأمور من أبسطها (كتعليمه مسك الملعقة مثلاً عند تناول الطعام)إلى أكثرها تعقيداً مما يتعلق بالأمور الأخلاقية والاجتماعية وغيرها.
وأضاف د. حيدر في طب نفس الأطفال قبل معاقبة الطفل على عمل سيئ أو خاطئ ارتكبه يجب التأكد أنه قد فهم خطأه واستوعبه وأن نعطيه فرصة واثنتين قبل اللجوء للعقاب. وبكل الأحوال فالضرب الجسدي هو آخر (وليس أول) أساليب العقاب مع العلم أن كل النظريات التي تتحدث عن طب نفس الأطفال تذكر أن الضرب هو أسلوب سيئ ويجب عدم استخدامه نهائياً لما يتركه من نتائج نفسية سيئة على هذا الطفل فوراً أو عندما يكبر.
مهما كانت هذه الآراء
وأكد د. حيدر أن القاعدة في تربية الطفل هي إحاطته بالحنان والحب والتفهم وبتأمين ما أمكن من طلباته المعقولة وبالثناء عليه عند كل مناسبة أو موقف يثبت فيها جدارته وذكاءه وبالإجابة على أسئلته وبالسماح له بالتعبير عن آرائه دون خوف مهما كانت هذه الآراء. هذا الأسلوب ينشئ شخصاً متوازناً واثقاً من نفسه والبعض يعتقد أن القسوة هي الأفضل في تنشئة شخصية قوية ولكن ذلك غير صحيح إطلاقاً.
قبل أن تكون فيه
بكل الأحوال فإن مقولة (لا إفراط ولا تفريط) تنطبق على تربية الطفل بشكل ممتاز ألا نعامله بعنف مستمر وتوبيخ وصراخ وبنفس الوقت ألا نتركه يفعل ما يشاء أو يقول ما يشاء دون ضوابط. وتكرار كلمات عيب، حرام، لا يجوز.. دون شرح السبب يؤدي لتكوين شخصية خجولة، قلقلة، خائفة، مترددة فالطفل بكل بساطة لو كان يعلم أن الذي يفعله أو يسأل عنه عيب أو حرام لما قام به أصلاً. وبالتالي فبعض التصرفات من قبيل السرقة أو الكذب أو الكلام البذيء أو نوبات الغضب أو اضطرابات السلوك الأخرى هي نتيجة لسبب في أسلوب التربية والتعامل مع هذا الطفل وقبل أن نوجّه له اللوم والتوبيخ والعقاب علينا التفكير في أسباب ما يقوم به والتي غالباً ما تكون فينا نحن كآباء قبل أن تكون فيه.
نكون المصدر
وأشار في معرض حديثه أيضاً علينا التذكر والانتباه باستمرار أنه في هذا الوقت الذي نعيش فيه يوجد لدى الطفل الكثير من المصادر التي يمكنه اللجوء إليها لإيجاد أجوبة على تساؤلاته المختلفة هذا يستدعي بالتالي أن نحاول أن نكون المصدر الرئيسي وربما الوحيد لهذه التساؤلات ومن هنا التأكيد على ما سبق بضرورة استيعاب جميع الآراء والأسئلة المطروحة من قبل أبنائنا لأننا ببساطة إن لم نفعل فإن الفضول وحب المعرفة الطاغيين في هذه الفئة العمرية سيدفعان الطفل أو المراهق للبحث في أماكن أخرى هي غالباً ما تعطي المعلومة المغلوطة السيئة فنكون بذلك أوقعنا الأسرة في مشكلة كان من الممكن تفاديها.
وحزم بالقول فلابد من أن التواصل مع المدرسة مهم جداً لأنه يعطي الآباء فرصة التعرف على جوانب أخرى في شخصية ولدهم لا تظهر بوضوح في المنزل وهذه الجوانب قد تكون بالطبع سلبية أو إيجابية فقد نفاجأ بمديح معلم الصف لذكاء أو إبداع أو رجاحة عقل طفل لطالما اعتبره أهله عادياً أو أقل أو بالعكس فقد يتم لفت النظر إلى عدوانية زائدة في التعامل مع الزملاء أو حركة زائدة تمنعه من التركيز على ما يقوله المعلم أو اكتئاب أو حتى إمكانية أن يكون مدمناً و يتعاطى بعض المهدئات أو المنشطات أو المخدرات.
قادرون على مصارحتنا والحديث معنا
وخلص د. حيدر الأمان النفسي لأطفالنا يستدعي إضافة لكل ما ذكر وجود نوع من التفاهم بين الأبوين خاصة وأفراد الأسرة بشكل عام ووجود الهدوء في المنزل والمراقبة الدائمة من بعيد لاهتمامات أولادنا ونوعية أصدقائهم وتنمية المواهب إذا وجدت عندهم وسؤالهم بشكل مستمر عن دراستهم وصحتهم ومدرستهم وعن تعرضهم لإزعاجات أو مضايقات في أي مكان وأن نشعرهم بأنهم قادرون على مصارحتنا والحديث معنا عن أي موضوع يشغل بالهم لأن ذلك يسمح للأهل بتدارك أي مشكلة مهما كانت معقدة ومحاولة حلها قبل استفحالها.
وكم رأينا ومازلنا نرى في عملنا في الطب النفسي الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا بأمراض نفسية أو عاشوا حياة زوجية وعائلية مضطربة أو حتى دخلوا السجون لمجرد أنهم لم يحظوا في طفولتهم ومراهقتهم بعائلة متفهمة تصغي لمشاكلهم وتناقشهم في أمورهم لأن حياتهم كانت ستتغير تقريباً كلياً لو كانوا كبروا في كنف هكذا أسرة.