|
مساحات «الاختلاف» و«التفاهم» حول القطب الشمالي دراسات التي يختزنها من جهة, والموقع الاستراتيجي الذي يمثله راهناً من جهة ثانية والتي ستزداد أهمية نتيجة المتغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا وتبعاتها السلبية وطنياً ودولياً والمفيدة للعديد من الدول في الوقت نفسه أيضاً. فقد بدأ الحوار بين الدول القطبية الشمالية إثر التقدم العلمي والتكنولوجي الذي حازته هذه الدول خصوصاً والعالم عموماً وانعكاساتها على الاكتشافات الأولية التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية التي أكدت احتواء هذه المنطقة على كميات هائلة من الغاز الطبيعي تقدر بـ 60 تريليون متر مكعب من الغاز ونحو 10 مليارات طن من النفط وستساهم المتغيرات المناخية الجارية ونتائجها المتمثلة في انحسار جبال الجليد وذوبان قسم كبير منها إلى المزيد من الاكتشافات للثروات الباطنية في القطب الشمالي المتجمد وتالياً تخفيض تكلفة استخراج هذه الثروات إذ يشير المراقبون والمختصون والعلماء إلى أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 28 مليون متر مربع تختزن في باطنها نحو ربع الاحتياط العالمي من النفط والغاز مما يزيد من أهميتها الاستراتيجية. كما أن هذه المتغيرات المناخية الجارية في كوكبنا وانعكاساتها على الجبال الجليدية فضلاً عن التقدم العلمي في مجال المواصلات البحرية من شأنها أن تفتح طريقاً بحرياً في المنطقة الشمالية (منطقة القطب المتجمد) توصل أوروبا وأميركا الشمالية ببلدان آسيا وبخاصة شرقها وتختصر المسافة الحالية بحركة السفن بنحو 40-50٪. فضلاً عن التواصل الأفضل بين دول القطب الذي تمثله هذه المنطقة بعد سنوات أو عقود قادمة من المتغيرات المناخية من جهة والتطور العلمي التكنولوجي في المجالات كافة من جهة ثانية. ونظراً لأهمية هذه المنطقة جغرافياً وما تحتويه من ثروات هائلة فقد بدأت المشاورات بين دول هذه المنطقة (روسيا، النرويج، كندا، أميركا، الدانمارك) بهدف تأكيد أحقية كل دولة من هذه الدول في قسم من القطب الشمالي وتاليا كيفية تقاسم ثرواته. وفي هذا السياق أرسلت روسيا بعثة علمية قبل ثلاث سنوات استطاع خلالها المستكشفون الروس التوصل إلى دلالات تاريخية وجغرافية حول الامتدادات الجغرافية في هذه المنطقة وثبت المستكشفون الروس علماً روسيا في أعماق بحر بارنيتس ( لن يرفرف أبداً) لإثبات أحقيتها في القطب الشمالي. إذ تتنافس روسيا أولاً مع جارتها القطبية الدنمارك التي تتواصل جغرافياً مع منطقة القطب الشمالي من خلال جزيرة غرينلاند ويناقش علماء الدولتين الآثار التاريخية وكيفية نشوء المنطقة الجبلية والجليدية بوصفها امتدادا سيبيريا (روسيا) أم امتدادا جغرافيا لجزيرة غرينلاند كما لم تتوصل بعد الدول المجاورة الأخرى إلى تفاهمات جماعية أولية فيما بينهما هذا على الرغم من استضافة روسيا العام الماضي مؤتمراً دولياً للبحث في مصير منطقة القطب الشمالي حضرته دول القطب الشمالي كذلك عدد من الدول الأخرى المهتمة به أيضاً والشركات الساعية للاستثمار في هذه المنطقة والمنظمات الدولية ومنظمات الحفاظ على البيئة. وسعت روسيا مؤخراً من خلال تفاهمها الأولي مع النروج العام الماضي حول كيفية تسوية تقاسم القطب الشمالي وجرفه القاري والمحيط المتجمد وتوقيعه من قبل الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء النرويجي ينس شتولتنبرغ وتاليا إنهاء نحو نصف قرن من الخلاف الحدودي البحري بين الدولتين. روسيا التي تسعى أيضاً إلى تأكيد أحقيتها وسيادتها من خلال حدودها القطبية وامتداداتها الجغرافية الحدودية على نحو 40٪ من مساحة المحيط المتجمد الذي يختزن أيضاً جزء هاما من احتياطات القطب الشمالي المتجمد عموماً. فهل يشكل القطب الشمالي بواقعه البيئي الراهن والمستقبلي في ظل المتغيرات المناخية الجارية في كوكبنا وانعكاساتها على هذا القطب إشكالية حدودية مناطقية وعالمية؟ أم أن الشركات الوطنية والعالمية والمستثمرين عموماً كذلك مصالح هذه الدول القطبية ستضطرها إلى التفاهم والتوافق على كيفية تقاسم هذه المنطقة وثرواتها؟ باحث في الشؤون الدولية Batal m@scs. net. org
|