تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العنف ... سلوك إسرائيليّ خالص

دراسات
الخميس 11-8-2011
د. جهاد طاهر بكفلوني

بلغت الإنسانية بوزير خارجية الكيان الصهيوني (أفيغدور ليبرمان) مبلغاً لم تبلغه من قبل ومن يدري فقد لا تبلغه من بعدُ، فخرج على الملأ ليعلن أنه ينبذ العنف، وأنّ ضميره الصاحي يشمئزّ لسماع هذه الكلمة، وانتقل في مرحلة جديدة

من الإنسانية التي يرتقي صعداً في معارجها إلى التشنيع على كلّ من تسوّل له نفسه استخدام العنف أو يفكّر في اللجوء إليه للحصول على مبتغاهُ.‏

ولكي يقنع العالم بنقاء إزاره وعدم تلوّث يديه بالدم الذي يسيل نتيجة استخدام العنف بحث ليبرمان عن ضحيّة ينسب إليها تهمة تفجّر العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلّة فوجد ضالّته المنشودة في السلطة الوطنية الفلسطينية فاتّهمها بالتحضير لأعمال عنف غير مسبوقة بالتزامن مع مسعاها لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة.‏

الوزير( الإنسان) إلى أبعد الحدود اكتشف ببعد نظره زمان ومكان الجريمة التي يتكهّن بوقوعها قبل حدوثها، أمّا الزمان فهو الأيام التي تسبق موعد الطلب الفلسطينيّ المقدّم إلى الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية، والمكان هو الأرض الفلسطينية التي ستكون مسرحاً لعمليات تتخذ العنف وسيلة وغاية لترويع المحتلين الإسرائيليين وجعل أياديهم مغلولة في مواجهة الخطر الفادح المتمثل بإعلان قيام الدولة.‏

وأطاحت عبقرية ليبرمان بالحدود كلّها فكشفت عن شكل العنف المستخدم في مؤتمر صحفي عقده في الكنيست قال فيه: ((واضح أن السلطة الفلسطينية تحضر لإراقة الدماء ولعنف لم نشهد مثله من قبل))، ومن الطبيعيّ في حالة كهذه أن يسيطر الخوف على عقله وقلبه وهو المسالم الوديع الذي لم يرُ قطّ قطرة دم واحدة تسيل فكيف سيحتمل منظر الدماء وقد سالت أنهاراً هادرة هنا وهناك!‏

لكنه نسي في غمرة تسربله برداء الإشفاق على ما سيجري والاستعداد المسبق للرثاء له؛ تقديم دليل يثبت وجود تخطيط لأعمال عنيفة، اللهمّ إلاّ إذا رأى في إصرار الفلسطينيين على أن لهم حقاً تاريخياً في إقامة دولتهم فوق ترابهم الوطنيّ دليلاً على أنهم أهل العنف الذي لا يبقي ولا يذر.‏

واستناداً لهذا المنطق ((الليبرماني)) ينبغي على الشعب العربيّ الفلسطينيّ ألاّ يفتح فمه بكلمة يذكر فيها اسم فلسطين، وعندما ينجح في إبقاء شفتيه متلاصقتين تشكّلان سجناً عتيداً يحول دون خروج هذه الكلمة من الفم؛ يتقدّم منه (ليبرمان) ليثني عليه ويمنحه صكّ البراءة معلناً أنه شعب لا يحبّ العنف ولا يطيق سماع ذكر اسم فلسطين على لسان الفلسطينيّ الذي لن ينسى وطنه السليب، فذكره جريمة لا تغتفَر كما يرى ( ليبرمان) الذي يصرّ على البقاء في مصنع اكتشافاته المتتابعة وكان آخر هذه الاكتشافات ما أعلنه (( أن المسيرات التي يخرج فيها الآلاف ليس من ورائها سوى هدف واحد هو جرّ المجتمع الدولي إلى صراع إسرائيليّ-عربيّ والالتفاف على إجراء مفاوضات مباشرة، لفرض حل على المجتمع الدوليّ)) في إشارة منه إلى دعوات من مسؤولين فلسطينيين إلى مظاهرات بالتزامن مع افتتاح الجمعية العامة الأممية الشهر المقبل.‏

خرج باكتشاف جديد ولكي يسجّل براءة الاختراع باسمه خوفاً عليها من عين حاسد إذا حسد أعلن أنه سيطلب من رفاقه في المجلس الوزاري المصغّر دعمه في المطالبة بإنهاء التعاون مع السلطة في مجالات الأمن والسياسة والمياه، ولن يعاني كثيراً في إقناعهم فالحجة الجاهزة ((علينا الرد ليس بالكلام فقط بل بالفعل أيضاً)).‏

المطلوب من الفلسطينيين لكي تهدأ هواجس وزير خارجية الكيان الصهيونيّ أن يطلبوا من الأمم المتحدة أن تخلد إلى الراحة، وألاّ تزعج نفسها بمناقشة موضوع إعلان الدولة الفلسطينية، وأن ينهوا المظاهرات حتى قبل بدئها، وربّما طالبهم بقطع أرجلهم ليصبحوا عاجزين عن الحركة، وإذا تطلّب الأمر شراء كراسٍ متحركة لهم فالرجل معروف بسخائه ولن يتوانى في تأمين المطلوب لهم!‏

أمّا الكيان الصهيونيّ بحسب المنطق ((الليبرماني)) فمخوّل بتهديم بيوت الفلسطينيين وإحراق محاصيلهم الزراعيّة وإعمال آلة القتل فيهم على مدار الساعة، وهذا كلّه لا يمتّ إلى العنف بصلة، والدم الفلسطينيّ في نظره مباح.‏

ولم ينس ليبرمان إثبات طول باعه في عالم القانون فشدّد على أنّ تحسين الوضع القانونيّ لفلسطين في الأمم المتحدة سيمكن الفلسطينيين من الوصول بصورة أفضل إلى هيئات كالمحكمة الدولية، حيث يستطيعون إطلاق ملاحقات بحقّ الجنود الإسرائيليين.‏

وبعيداً عن اجتهاد ( ليبرمان) في تعريف العنف وتحديد طرائق استخدامه نذكّره بأنّ الفلسطينيين ليسوا أهل العنف لأنّ هذا المصطلح هو مصطلح إسرائيليّ خالص ظهر إلى الدنيا بظهور هذا الكيان الإرهابيّ فوق أرض فلسطين العربية، وحبّذا لو اطمأنّ ( ليبرمان) إلى أنّ الفلسطينيين لن يتنازلوا عن أرضهم وحقوقهم التاريخية وهم يكسبون تأييداً دولياً متعاظماً يوماً بعد يوم، وسيأتي ذلك اليوم الذي يقيمون فيه دولتهم الحرة المستقلّة وعاصمتها القدس فوق ترابهم الحرّ وما ذلك اليوم ببعيد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية